للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ثم نرى المذهب الحنبلي، خلافا لمذهبي أبي حنيفة والشافعي، يصحح أكثر الشروط التي فيها منفعة لأحد المتعاقدين كما يصححها المذهب المالكي. ونورد ما جاء في هذا الصدد في الشرح الكبير على المقنع (جزء ٤ ص ٤٩ - ص ٥١): " والثالث أن يشترط نفعا معلوما في المبيع كسكنى الدار شهرا وحملان البعير إلى موضع معلوم، أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب أو تكسيره أو خياطة الثوب أو تفصيله، ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة، مثل أن يبيع دارا ويستثني سكناها سنة، أو دابة ويشترط ظهرها إلى مكان معلوم، أو عبدا ويستثني خدمته مدة معلومة، نص عليه أحمد، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وإسحاق وابن المنذر.

وقال الشافعي وأصحاب الرأي: لا يصح؛ لأنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وشرط. . ولنا ما روى جابر «أنه باع النبي - صلى الله عليه وسلم - جملا واشترط ظهره إلى المدينة (١)». . ولم يصح نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع وشرط، وإنما نهى عن شرطين في بيع فمفهومه إباحة الشرط الواحد. ويصح أن يشترط المشتري نفع البائع في المبيع، مثل أن يشتري ثوبا ويشترط على بائعه خياطته قميصا، أو بلغة ويشترط حذوها نعلا، أو حزمة حطب ويشترط حملها إلى موضع معلوم ".

ويتوسع المذهب الحنبلي في إباحة الشروط في عقد الزواج بوجه خاص، ويفوق في ذلك سائر المذاهب وفيها مذهب مالك نفسه. فيجوز في الزواج من الشروط ما يكون فيه للزوجين منفعة مقصودة ما دامت لا تعارض الشرع ولا تنافي المقصود من عقد الزواج، ويقول ابن تيمية (الفتاوى ٣ ص ٣٣٢ - نظرية العقد ص ١٥٥) في ذلك " ويجوز أحمد أيضا في النكاح عامة الشروط التي للمشترط فيها غرض صحيح، لما في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج (٢)» فلا يقتصر مذهب أحمد على أن يكون لكل من الزوجين أن يشترط في الآخر صفة يصح قصدها، فيشترط الزوج في زوجته البكارة أو الجمال مثلا، وتشترط الزوجة في زوجها المال أو حرفة معينة أو موردا معينا من العيش. ويكون للمشترط أن يفسخ الزواج إذا فات عليه ما اشترطه، ولا فرق في هذا أن يكون المشترط هو الرجل أو المرأة، وهذا هو أصح روايتي أحمد، وأصح وجهي أصحاب الشافعي وظاهر مذهب مالك (ابن تيمية: الفتاوى ٣ ص ٣٤٦ - نظرية العقد ص ١٥٦ - ١٥٧) بل يجوز أيضا في مذهب أحمد أن تشترط الزوجة على زوجها ألا يخرجها من بلدها أو من دارها، أو لا يتسرى، أو ألا يتزوج عليها. فإن لم يف لها بشرطها كان لها أن تفسخ الزواج (نظرية العقد لابن تيمية ص ١٦ وص ٣٤ وص ١٦١ - ص ١٦٢ والفتاوى ٣ ص ٣٢٧). وقد رأينا أن هذه الشروط غير جائزة في مذهب مالك.


(١) سنن الترمذي المناقب (٣٨٥٢).
(٢) صحيح البخاري الشروط (٢٧٢١)، صحيح مسلم النكاح (١٤١٨)، سنن الترمذي النكاح (١١٢٧)، سنن النسائي النكاح (٣٢٨١)، سنن أبو داود النكاح (٢١٣٩)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٥٠)، سنن الدارمي النكاح (٢٢٠٣).