للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرط الفاسد في مذهب الحنابلة

ولا يكون الشرط فاسدا عند الحنابلة إلا في موضعين:

كان الشرط ينافي مقتضى العقد. مثل ذلك أن يشترط البائع على المشتري ألا يبيع ما اشتراه أو يهبه أو يعتقه، أو يشترط إن أعتقه أن يكون الولاء للبائع. فهذه الشروط كلها تنافي مقتضى العقد، إذ مقتضى العقد حرية المشتري في التصرف في المبيع بعد أن صار ملكه، يبيعه أو لا يبيعه ويهبه أو لا يهبه، وإذا كان رقيقا فأعتقه فإن الولاء يكون له هو لا للبائع؛ لأنه هو المعتق، والولاء لمن أعتق.

بقي أن يشترط بائع الرقيق على مشتريه أن يعتقه، فهل يصح الشرط؟ في المذهب روايتان، أحدهما: الشرط فاسد؛ لأنه ينافي مقتضى العقد شأنه في ذلك شأن ما قدمناه من الشروط، والرواية الأخرى: الشرط صحيح، لحديث بريرة المعروف.

ومن الشروط التي تنافي مقتضى العقد عند الحنابلة أن يشترط إن أغضبه غاضب أن يرجع على البائع بالثمن. ومنها أن يشترط البائع أن يكون أحق بالمبيع بثمنه إن باعه المشتري؛ لأنه يكون بذلك قد اشترط ألا يبيعه من غيره إذا أعطاه ثمنه، فهو كما لو اشترط ألا يبيعه إلا من فلان، وهذا يقيد المشتري في التصرف فينافي مقتضى العقد. وقيل أيضا في مذهب أحمد أن هذا الشرط يتضمن شرطين، فيكون غير جائز على ما سنرى؛ لأن البائع شرط أن يبيعه إياه وأن يبيعه بالثمن الأول، فهما شرطان (الشرح الكبير على المقنع ٤ ص ٥٥). وقد رأينا أن هذا الشرط غير جائز في المذهب المالكي؛ لأنه يخل الثمن.

ومن الشروط التي تنافي مقتضى العقد أيضا ما جاء في الشرح الكبير على المقنع (جزء ٤ ص ٥٨): " وإذا قال: بع عبدك من فلان بألف على أن علي خمسمائة فباعه بهذا الشرط، فالبيع فاسد؛ لأن الثمن يجب أن يكون جميعه على المشتري، فإذا شرط كون بعضه على غيره لم يصح؛ لأنه لا يملك المبيع والثمن على غيره. ولا يشبه هذا ما لو قال: أعتق عبدك أو طلق امرأتك وعلي خمسمائة؛ لكون هذا عوضا في مقابلة فك الزوجة ورقبة العبد، ولذلك لم يجز في النكاح. أما في مسألتنا فإنه معاوضة في مقابلة نقل الملك، فلا يثبت؛ لأن العوض على غيره. وإن كان هذا القول على وجه الضمان، صح البيع ولزم الضمان.

ولما كان الشرط الذي ينافي مقتضى العقد فاسدا، فإنه يبطل ولا يعمل به، أما حكم العقد الذي اقترن به الشرط ففيه روايتان: الأولى أن العقد صحيح، وهذا هو المنصوص عن أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي، فيسقط الشرط ويبقى العقد، وللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن، وللمشتري الرجوع بزيادة الثمن إن كان هو المشترط؛ لأن البائع إنما سمح بهذا الثمن لما يحصل له من الغرض بالشرط، والمشتري إنما سمح له بزيادة الثمن من أجل شرطه، فإذا لم يحصل غرضه ينبغي أن يرجع بما سمح به كما لو وجده معيبا. ويحتمل أن يثبت الخيار ولا يرجع بشيء، كمن شرط رهنا أو ضمينا فامتنع الراهن والضمين؛ لأن ما ينقصه الشرط من