للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثمن مجهول فيصير الثمن مجهولا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم لأرباب بريرة بشيء مع فساد الشرط وصحة البيع. (الشرح الكبير على المقنع ٤ ص ٥٥).

والرواية الثانية أن الشرط الفاسد يبطل البيع؛ لأن الشرط إذا فسد وجب الرجوع (١) إنما رضي بزوال ملكه عن المبيع بشرطه، والمشتري كذلك إذا كان الشرط منه، فلو صح البيع بدونه لزال ملكه بغير رضاه، والبيع من شرطه التراضي. (الشرح الكبير ٤ المقنع ٤ ص ٥٤).

ونرى مما تقدم أن المذهب الحنبلي والمذهب المالكي لا يختلفان كثيرا في الشرط الذي ينافي مقتضى العقد، ففي كلا المذهبين فاسد. ولكن مذهب مالك يتدرج في ترتيب الجزاء على هذا الشرط الفاسد، فتارة يبطل الشرط والعقد معا، وطورا الشرط ويستبقي العقد صحيحا، وثالثة يبطل الشرط والعقد معا إلا إذا نزل المشترط عن شرطه فيسقط الشرط ويبقى العقد، وقد مر ذكر ذلك.

(ب) ويكون الشرط فاسدا أيضا إذا ورد في النهي عنه نص خاص. وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين في بيعة، وعن شرطين في بيع وسلف، وقال عليه السلام: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك (٢)» فهناك إذن نص خاص في النهي عن الجمع بين شرطين في العقد، وفي النهي عن الجمع بين بيع وسلف.

أما الجمع بين شرطين في العقد فممنوع في مذهب أحمد كما قدمنا. والشرطان المنهي عنهما هما الشرطان اللذان فيهما منفعة لأحد المتعاقدين دون أن يقتضيها العقد أو يلائماه، ولو انفرد أي منهما كان صحيحا. مثل ذلك من اشترى ثوبا واشترط على البائع خياطته وقصارته، أو طعاما واشترط طحنه وحمله، فاجتماع الشرطين في العقد يبطل الكل: الشرطان باطلان والعقد باطل. أما إن شرط شرطين أو أكثر من مقتضى العقد أو مما يلائم العقد، مثل أن يبيعه بشرط الرهن أو الضمين وبشرط أن يسلم إليه المبيع أو الثمن، فهذا لا يؤثر في العقد وإن كثر.

وأما الجمع بين بيع وسلف فممنوع أيضا. ومعناه في مذهب أحمد أن يشترط أحد المتعاقدين على المتعاقد الآخر عقدا ثانيا مستقلا في مقابل العقد الأول. وليس معناه مجرد اجتماع صفقتين في عقد واحد، فقد قدمنا أن مجرد اجتماع صفقتين في عقد واحد يجوز كما إذا اشترط سكنى الدار أو حمل الحطب أو خياطة الثوب. وقد جاء في المغني (جزء ٤ص ٢٨٥): " والثاني أن يشترط عقدا في عقد، نحو أن يبيعه شيئا بشرط أن يبيعه شيئا آخر أو يشتري منه أو يؤجره أو يزوجه أو يسلفه أو يصرف له الثمن أو غيره. فهذا شرط فاسد يفسد به البيع، سواء اشترطه البائع أو المشتري، ثم جاء في ص ٢٩٠ - ٢٩١: ولو باعه بشرط أن يسلفه أو يقرضه، أو شرط المشتري ذلك عليه، فهو محرم والبيع باطل، وهذا مذهب مالك والشافعي ولا أعلم فيه خلافا إلا أن مالكا قال: إن ترك مشترط السلف السلف صح البيع، ولنا ما روى عبد الله بن عمرو «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن وعن بيع ما لم يقبض وعن بيعتين في بيعه وعن شرطين في بيع وعن بيع


(١) بما ينقصه الشرط من الثمن وذلك مجهول فيصير الثمن مجهولا، ولأن البائع. . . الخ.
(٢) سنن الترمذي البيوع (١٢٣٤)، سنن النسائي البيوع (٤٦١١)، سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٠٥)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٦٠).