للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالغيب لا يعلمه إلا الله تعالى وإنما يظهر بعض خلقه على شيء من ذلك كمعجزة وبرهان على صدقه كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (١) {إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (٢) أي أنه تعالى يطلع من ارتضاه وهم رسله على أمور من الغيب مما سبق أو مما يأتي، ولا ينافي ذلك قوله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (٣) فإن ما وقع من الإخبار في الأحاديث عن الأمور المستقبلة هو من الوحي الذي اطلع الله عليه رسوله - صلى الله عليه وسلم - بواسطة الرسول الملكي، أو بما فتح الله عليه وألهمه، ومتى كان هذا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن قبله من الرسل، لم يصلح أن يصرف لهم شيء من حق الله الذي هو عبادته وحده، ولا أن يوصفوا بما اختص به الرب تعالى، فقد أنكر - صلى الله عليه وسلم - على الجاريتين اللتين عند الربيع بنت مسعود قولهما: وفينا نبي يعلم ما في غد، رواه الترمذي (٤) وقالت عائشة - رضي الله عنه -: من حدثك أن محمدا يعلم ما في غد فلا تصدقه رواه البخاري (٥) وورد في «حديث جبريل - عليه السلام - لما سأل عن الساعة قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأحدثك عن أماراتها إذا ولدت الأمة ربها، وإذا رأيت الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان، وفي خمس لا يعلمهن إلا الله ثم قرأ (٧)» متفق عليه وهذه الخمس يعني مفاتح الغيب المذكورة في قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} (٨) فمن ادعى العلم بشيء منها أو نسبه إلى بشر فهو كاذب.


(١) سورة الجن الآية ٢٦
(٢) سورة الجن الآية ٢٧
(٣) سورة النمل الآية ٦٥
(٤) هو في سنن الترمذي مع تحفه الأحوذي ٤/ ٢١١ وصححه.
(٥) هو في صحيح البخاري مع الشرح برقم ٤٨٥٥.
(٦) هو في صحيح البخاري برقم ٥٠ وصحيح مسلم ١/ ١٦١.
(٧) سورة لقمان الآية ٣٤ (٦) {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}
(٨) سورة الأنعام الآية ٥٩