للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يملك الضر ولا النفع لنفسه فضلا عن غيره، قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} (١) وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (٢) وما ذاك إلا أن الملك لله وحده، فهو الذي بيده النفع والضر والعطاء والمنع، وهو مالك الملك، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، أما الخلق كلهم بما فيهم الأنبياء فإنهم مملوكون، يعمهم قول الله تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (٣) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية بعد هذه الآية: نفي الله عما سواه كلما يتعلق به المشركون، فنفي أن يكون لغيه ملك أو قسط منه أو يكون عونا لله. . الخ وقد قال تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} (٤) وذلك حين أن شج النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقعة أحد وكسرت رباعيته، فقال: «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم (٥)» أو كان ذلك لما قنت عليه الصلاة والسلام يدعو على بعض المشركين بمكة، فأنكر الله عليه، وأخبره بأن الأمر كله لله وحده ليس لك منه شيء (٦) وثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - أنذر عشيرته وأقاربه وقال لهم: «أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا (٧)» حتى قال ذلك لعمه وعمته وابنته، وفي رواية «اشتروا أنفسكم (٨)» أي بتوحيد الله وإخلاص العبادة له، وطاعته فيما أمر والانتهاء عما عنه زجر، فإن في ذلك إنقاذ من النار، دون الاعتماد على النسب والقرابة، فدفع بذلك ما يتوهمه بعضهم من أنه يغنى عن أقاربه ويشفع لهم، وهذا الوهم قد سرى وتمكن في نفوس الجمع الغفير، فتراهم يعتمدون على مجرد الانتساب إلى قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعدونه شرفا، ظانين أن النجاة والشفاعة تحصل لهم بدون عمل، بل


(١) سورة الأعراف الآية ١٨٨
(٢) سورة الجن الآية ٢١
(٣) سورة سبأ الآية ٢٢
(٤) سورة آل عمران الآية ١٢٨
(٥) رواه مسلم ١٤٩/ ١٢ وغيره عن أنس.
(٦) رواه البخاري برقم ٤٠٦٩ وغيره عن ابن عمر - رضي الله عنه -.
(٧) صحيح البخاري الوصايا (٢٧٥٣)، صحيح مسلم الإيمان (٢٠٤)، سنن الترمذي تفسير القرآن (٣١٨٥)، سنن النسائي الوصايا (٣٦٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٦١)، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٣٢).
(٨) رواه البخاري برقم ٤٧٧١ ومسلم ٣/ ٧٩.