للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معبودا. قلت: وقال البوصيري:

فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم

فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وهذا هو الذي حكاه شيخ الإسلام عن ذلك المدرس، وكل ذلك كفر صريح. ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته - عليه السلام - وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين لا بد وأن يمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه الأنعام أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيفوا بنور العلم، ولم يلجوا إلى ركن وثيق، لأن هذا ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح، وهم أبعد الناس منه، فإن التعظيم بالقلب: ما يتبع اعتقاد كونه عبدا رسولا، من تقديم محبته على النفس والوالد والناس أجمعين، ويصدق هذه المحبة أمران: أحدهما تجريد التوحيد، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أحرص الخلق على تجريده، حتى قطع أسباب الشرك ووسائله من جميع الجهات، حتى «قال له رجل: " ما شاء الله وشئت ". قال: أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده (١)» رواه أحمد (٢) ونهى أن يحلف بغير الله، وأخبر أن ذلك شرك، ونهى أن يصلي إلى القبر أو يتخذه مسجدا أو عيدا، أو يوقد عليه سراج، بل مدار دينه على هذا الأصل الذي هو قطب رحى النجاة، ولم يقرر أحد ما قرره - صلى الله عليه وسلم - بقوله وفعله، وسد الذرائع المنافية له، فتعظيمه - صلى الله عليه وسلم - بموافقته على ذلك لا بمناقضته فيه.

الثاني: تجريد متابعته وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من أصول الدين وفروعه، والرضى بحكمه والانقياد له والتسليم، والإعراض عما خالفه، وعدم الالتفات إلى ما خالفه، حتى يكون وحده هو الحاكم المتبع المقبول قوله، المردود ما خالفه كما كان ربه تعالى وحده هو المعبود المألوه المخلوق المستغاث به، المتوكل عليه الذي إليه الرغبة والرهبة، الذي يؤمل وحده لكشف الشدائد ومغفرة الذنوب الذي من جوده الدنيا والآخرة الذي خلق الخلق وحده، ورزقهم وحده، ويبعثهم وحده ويغفر ويرحم ويهدي ويضل، ويسعد ويشقي وحده، وليس لغيره


(١) سنن ابن ماجه الكفارات (٢١١٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢١٤).
(٢) كما في المسند١/ ٢١٤، ٢٨٢ عن ابن عباس وصححه المحقق.