من الأمر شيء كائنا من كان، لا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا جبريل - عليه السلام - ولا غيرهما، فهذا هو التعظيم الحق المطابق لحال المعظم، النافع للمعظم في معاشه ومعاده، والذي هو لازم إيمانه وملزومه. وأما التعظيم باللسان فهو الثناء عليه بما هو أهله مما أثنى به عليه ربه وأثنى على نفسه من غير غلو ولا تقصير، كما فعل عباد القبور، فإنهم غلوا في مدحه إلى الغاية. وأما التعظيم بالجوارح فهو العمل بطاعته، والسعي في إظهار دينه، ونصر ما جاء به، وجهاد ما خالفه. وبالجملة فالتعظيم النافع هو التصديق فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده، والرضى بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله، فما وافقها من قوله - صلى الله عليه وسلم - قبله، وما خالفها رده أو تأوله أو أعرض عنه، والله سبحانه يشهد وكفي به شهيدا وملائكته ورسله وأولياؤه، أن عباد القبور وخصوم الموحدين ليسوا كذلك، والله المستعان. هذا كلام الشيخ رحمه الله وقد حكى ما شاهده في زمانه وقبله من أقوام جهلة بالتوحيد ادعوا محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فبالغوا في مدحه حتى وصفوه بها لا يستحقه إلا الله تعالى من الملك والعلم والتصرف، وحتى صرفوا له خالص حق الله - عز وجل - من الدعاء والرجاء وتفويض الأمور إليه والاعتماد عليه، وقد ذكر - رحمه الله - في شرح التوحيد ص١٨٦ وما بعدها بعض ما قال أهل الغلو والإطراء في حقه - صلى الله عليه وسلم - وأورد أبياتا من قصيدة البردة للبوصيري كقوله:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
وما بعده من الأبيات، ثم بين ما فيها من الشرك الصريح، وذكر أيضا بعضا من شعر البرعي الذي بالغ فيه وغلا، ووقع في عبادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - صريحا، ونسى ربه عز وجل وهكذا ذكر النعمى في (معارج الألباب) ص ١٦٩ وما بعدها بعض أقوال الغلاة ومبالغتهم في التعلق بالأموات، ومن ذلك أبيات شعر تتضمن الشرك الواضح بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأولها قوله:
يا سيدي يا صفي الدين يا سندي ... يا عمدتي بل ويا ذخري ومفتخري