للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنت الملاذ لما أخشى ضرورته ... وأنت لي ملجأ من حادث الدهر

إلى آخر تلك الأبيات الشركية، وعلق عليها - رحمه الله - يقول: فلا ندري أي معنى اختص به الخالق بعد هذه المنزلة، من كيفية مطلب، أو تحصيل مأرب، وماذا أبقى هذا المشرك الخبيث من الأمر، فإن المشركين أهل الأوثان ما يؤهلون كل ما عبدوه من دون الله لشيء من هذا ولا لما هو أقل منه. ا. هـ.

ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخاف على أمته من هذا الغلو ويحذرهم من أسبابه، فقد روي أبو داود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: «انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أنت سيدنا. فقال السيد الله تبارك وتعالى قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم (١)» وعن أنس - رضي الله عنه - «أن أناسا قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا. فقال: يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل (٢)». رواه النسائي بسند جيد، (٣) وهذا كثير في السنة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله» رواه الطبراني (٤) وتقدم أنه - صلى الله عليه وسلم - «قال له رجل: " ما شاء الله وشئت " فقال: أجعلتني لله مثلا ما شاء الله وحده (٥)» فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو سيد الخلق وأفضلهم وخيرهم، لكنه يكره المدح سيما أمام الممدوح، حتى قال: «إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب (٦)» رواه مسلم (٧)، وما ذاك إلا أن المدح قد يوقع الممدوح في الإعجاب والكبرياء التي تحبط الأعمال أو تنافي كمال التوحيد، وقد افتخر عليه الصلاة والسلام بالعبودية لربه وهي الذل والتواضع له، وذلك شرف وفضيلة، ولذلك ذكره الله باسم العبد في قوله تعالى:


(١) هو في سنن أبي داود برقم ٤٨٠٦.
(٢) مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٤١).
(٣) هو في عمل اليوم والليلة برقم ٢٤٩ وكذا رواه أحمد ٣/ ٢٤٩ وغيره.
(٤) ذكره في مجمع الزوائد ١٠/ ١٥٩ قال: ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث.
(٥) سبق أنه عند أحمد في المسند ٢١٤/ ١.
(٦) صحيح مسلم الزهد والرقائق (٣٠٠٢)، سنن الترمذي الزهد (٢٣٩٣)، سنن أبو داود الأدب (٤٨٠٤)، سنن ابن ماجه الأدب (٣٧٤٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٥).
(٧) هو في صحيحه ١٢٨/ ١٨ عن المقداد - رضي الله عنه -.