للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بحث علماء المذاهب الإسلامية المعتبرة هذا النوع من البيوع واختلفوا فيه على قولين:

فذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى القول بتصحيحه. قال أبو محمد ابن قدامة رحمه الله (١): والعربون في البيع هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهما أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن وإن لم يأخذها فذلك للبائع، يقال: عربون وأربون وعربان وأربان. قال أحمد: لا بأس به وفعله عمر - رضي الله عنه -، وعن ابن عمر أنه أجازه، وقال ابن سيرين: لا بأس به، وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين: لا بأس إذا كره السلعة أن يردها ويرد معها شيئا، وقال أحمد: هذا في معناه، واختار أبو الخطاب أنه لا يصح، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى ذلك عن ابن عباس والحسن؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن بيع العربون (٢)» رواه ابن ماجه، ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي. ولأنه بمنزلة الخيار المجهول، فإنه اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح، كما لو قال: ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهما، وهذا هو القياس، وإنما صار أحمد فيه إلى ما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية فإن رضي عمر وإلا فله كذا وكذا. قال الأثرم: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه، وضعف الحديث المروي. روى هذه القصة الأثرم بإسناده.

فأما إن دفع إليه قبل المبيع درهما وقال: لا تبع هذه السلعة لغيري، وإن لم أشترها منك فهذا الدرهم لك ثم اشتراها منه بعد ذلك بعقد مبتدأ وحسب الدرهم من الثمن صح؛ لأن البيع خلا عن الشرط المفسد، ويحتمل أن الشراء الذي اشتري لعمر كان على هذا الوجه فيحمل عليه جمعا بين فعله وبين الخبر وموافقة القياس، والأئمة القائلين بفساد العربون وإن لم يشتر السلعة في هذه الصورة، لم يستحق البائع الدرهم؛ لأنه يأخذه بغير عوض ولصاحبه الرجوع فيه ولا يصح جعله عوضا عن انتظاره وتأخير بيعه من أجله؛ لأنه لو كان عوضا عن ذلك لما جاز جعله من الثمن في حال الشراء، ولأن الانتظار بالمبيع لا تجوز المعاوضة عنه ولو جازت لوجب أن يكون معلوم المقدار كما في الإجارة. اهـ.

وقد لخص الدكتور السنهوري أدلة القولين ورد أدلة القائلين ببطلان بيع العربون فقال بعد إيراده ما ذكره ابن قدامة رحمه الله ما نصه: (٣).

ويمكن أن نستخلص من النص المتقدم ما يأتي:

إن الذين يقولون ببطلان بيع العربون يستندون في ذلك إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) المغني جـ ٤ ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣ طبعة المنار.
(٢) سنن أبو داود البيوع (٣٥٠٢)، سنن ابن ماجه التجارات (٢١٩٣).
(٣) مصادر الحق في الفقه الإسلامي الجزء الثاني ص ١٠١ ـ ١٠٢.