للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زيد عن صدر فراشه وألقى بوسادة إلى عمر، وقال هاهنا يا أمير المؤمنين، فقال عمر: جرت يا زيد في أول قضائك، ولكن أجلسني مع خصمي فجلسا بين يديه.

وعمر بأقواله وأفعاله ينفذ أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد روت أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده (١)».

فالإسلام هو دين العدل والمساواة ورفع الظلم عن الجميع، ونصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة مليئة بالحض على العدل والإنصاف وعظم أجر العادلين، وقد ذكر الفقهاء - رحمهم الله تعالى - أنواعا من الأشياء التي يجب على القاضي أن يعدل فيها، كالدخول عليه، ومجلسهما منه، وطريقة مخاطبته لهما، والسماع منهما، إذ في تخصيص أحد الخصمين بشيء من البشاشة أو الإقبال ما يدفعه إلى الطمع في الحكم له ضد خصمه فيقوى قلبه وينطلق لسانه، ويجعل الخصم الآخر ييأس من العدل والإنصاف فيضعف قلبه وتنقبض نفسه، ولا ينطلق لسانه فيعجز عن إبداء حجته وعرض قضيته، وفي هذا مفسدة عظيمة وهي عدم الوصول إلى الحق الذي أمر الله به أنبياءه {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (٢).

هذا ولقد انبهر بعض أبناء المسلمين بما لدى الغرب الديمقراطيين من العدل والمساواة بين أفراد الشعب والموطنين، فراحوا يتغنون بالديمقراطية وينادون بها، ناسين أن قضاة الإسلام وحكامه ضربوا أروع المثل في العدل والمساواة بين الناس حكاما ومحكومين، أغنياء وفقراء، شرفاء وسوقة. إذ نظام


(١) رواه الدارقطني والبيهقي - سنن الدارقطني، كتاب الأقضية والأحكام جـ ٣ ص ٢٠٥ والسنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين في المدخل عليه والاستماع منهما جـ ١٠ ص ١٣٥.
(٢) سورة ص الآية ٢٦