يريد بعضهم أن يجعل أساس الأخلاق الضمير، بيد أن ذلك خطأ بين، فالضمير يربى ويكون، وتربيته وتكوينه هما شكله، ونزعته واتجاهه، الذي يتكيف بحسب الثقافة والبيئة والعصر والوسط.
أين مثلا الضمير عند الأمريكي الأبيض بالنسبة للأمريكي الأسود، وأين ضمائر البيض في جنوب إفريقيا بالنسبة لأهل البلاد الأصليين، وأين ضمير المستعمر أينما كان بالنسبة للمستعمر؟؟
إن الضمير أحيانا يصنع كما تصنع المزيفات، وهو إذن مقياس للأخلاق خاطئ.
وإذا بحثنا في معاجم اللغة العربية عن معنى كلمة " الضمير " فإننا لا نجد من بين معانيها، المعنى الأخلاقي، الذي نفهمه من هذه الكلمة في العصر الحاضر ونستعملها فيه ونطلقها عليه، وهي لم ترد بهذا المعنى في القرآن، أو الحديث، أو في الشعر العربي القديم، إنه معنى محدث، أخذناه عن الغرب في العصور الحديثة.
ويقول صاحب كتاب المشكلة الأخلاقية الأستاذ الفرنسي أندريه كرسون:
" ولما استعرضوا التاريخ والوقائع والمشاهدات، يستنيرون بها في أمر الضمير رأوا: أن الناس في كل العصور وفي جميع الأقطار يستشيرون ضمائرهم.
" ولكنها لا تسمعهم جميعا لحنا واحدا إذ أن ما يظهر عدلا وخيرا لبعض النفوس المخلصة في عصر خاص، لا يظهر عدلا ولا خيرا لنفوس أخرى، هي أيضا مخلصة، ولكنها عاشت في عصر آخر، أو مكان آخر ".
ويقول: " وكانت القوانين الرومانية القديمة، تجعل من المرأة والأطفال ملكا للزوج، كما لو كانوا أمتعة وأنعاما، لهذا كان للأب، من بين الحقوق الأخرى، الحق في أن يعرض ابنته المولودة حديثا، في السوق العام، إذا كانت له بنت أخرى، ولسنا بحاجة إلى أن نذهب بعيدا.
فها هم أولاء أسلافنا، كانوا يرون شرعية تطبيق العقوبة على مجرد ظن الجريمة، وكانوا بلا أدنى قلق يشاهدون الفرد مشنوقا من أجل اختلاس تافه ".
ويقول: " ومن ناحية أخرى: فإنه لا شيء أغرب من مشاهدة بعض الالتزامات التي تقتضيها حياة بعض البدائيين، وليس من المجهول، ما يعد من المحرمات الدينية عندهم: مثل تحريم بعض أنواع اللحوم، أو بعض أنواع الأشربة، أو خروج النساء بدون حجاب.