وأمر الطقوس السائدة في البلاد " الأوقيانوسية " معروف مشهور: فهي تعتبر من الآثام، ما قد يظهر لنا طبيعيا، بل فوق ذلك ما يظهر ضروريا: إنها تحرم تناول الطعام تحت السقف، والمكث في المسكن إذا كان المرء مريضا، واستعمال الأيدي في التغذية، بعد فراغ المرء من حلق شعره، أو بعد فراغه من صنع زورق على أن الدلالة العميقة إنما هي مظاهر اختلاف الضمير في البيئة الواحدة، وفي الجماعة الواحدة، المتحضرة المتمدينة.
وهل الرأسمالي، الذي يدافع عن نظام الميراث، أقل إخلاصا من الشيوعي الذي يهاجمه؟
أم هل الديموقراطي، الذي يقرر ضرورة الانتخاب العام، أقل إخلاصا من الأرستوقراطي الذي يعلن عدم ملاءمة هذا النظام؟
وهل " فيلانت " عندما يبيح أنواعا من الكذب، أقل اقتناعا برأيه من " ألسست " عندما يحرمها؟
إن " شارلوت كردي " عندما قضت على حياة " مارا " كانت ترى - ولا شك - أنها تقوم بعمل أخلاقي عظيم بلا مراء، فهل المواطنون الذين ساقوها إلى المقصلة كانوا أقل إيمانا منها بالقيمة الأخلاقية لعملهم هذا؟ " اهـ
* * *
هذه الأمثلة التي ذكرها الأستاذ " أندريه كرسون ": إنما هي قطرة من بحر، مما يمكن أن يبرهن به، على اختلاف الضمير، بحسب اختلاف الزمن، أو اختلاف الثقافات في البيئة الواحدة، وهناك أمثلة لا تحصى إذا ما قارنا ضمائر العرب في العصر الجاهلي، بضمائرهم في العصر الإسلامي، أو ضمائر الوثنيين في مكة بضمائر المسلمين فيها عند نشأة الإسلام، أو إذا ما قارنا ضمائر المتفرنجين في مصر في العصر الحاضر بضمائر المحافظين فيها.
والنتيجة لكل هذه المقارنات هي: أن اتخاذ الضمير كأساس للأخلاق، أو كمقياس لها إنما هو مجرد حماقة وعبث.
* * *
لقد
نظر فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق إلى الضمير، وإلى أحكامه نظرة فاحصة دقيقة. وانتهى فيه إلى الحق، فوضعه في موضعه الصادق.