لقد كتب في كتابه تفسير القرآن الكريم ص ٢٢٥ تحت عنوان:" إرضاء الضمير " مقياس غير منضبط، ما يلي:
" وهناك فريق من الناس يرون أن أساس الفضيلة هو تلبية الضمير فيما يعتقدونه خيرا للمجتمع، ويرون أن هذا كاف في سعادة الإنسان، وأن الضمير كفيل بتقدير الخير ومعرفته دون رجوع إلى الله وما يرسم لعباده من شرع وخلق، وأنهم بهذا ليسوا في حاجة إلى الوحي، وأن الوحي إذا كان فإنما يحتاج إليه لإرشاد من ليسوا من أرباب الضمائر الحية المتيقظة، وقد فات هؤلاء أن فهم ما ينفع الهيئة الاجتماعية وما لا ينفعها كثيرا ما تختلف فيه الأنظار والآراء، وقلما نجد في تاريخ هذه النظرية - قديمة وحديثة - اتفاقا على نفع جزئية معينة، أو ضرر الخير والفضيلة، وقد عدل كثير من الفلاسفة عن آرائهم الأولى، واستحدثوا آراء أخرى جديدة، ولهذا تعترك في عصرنا الحاضر المذاهب الاجتماعية من ديمقراطية وفاشية ونازية وشيوعية واشتراكية، بل يتنازع أرباب المذهب الواحد، بل يتناقض الفرد الواحد مع نفسه ورأسه في وقتين مختلفتين، وكل هؤلاء يتحاكمون إلى الضمير، أو يتحاكمون إلى الإدراك البشري في معرفة الفضيلة، وهو تحاكم - كما ترى - إلى أساس غير ثابت ولا منضبط ولا مأمون العاقبة، وهو في الوقت ذاته سير بالنفس وبالعالم في طريق محفوفة بالمخاطر تهدد العالم في أمنه واستقراره، وتشعل فيما بين جوانبه نار الحروب والتدمير، ولا سبيل إلى الاستقرار في هذا العالم وسلامته من أثر الآراء المشتجرة إلا بالرجوع إلى أساس ثابت منضبط صادر عن عليم بطيات النفوس. ونزعات البشرية، يبصرهم ذلك الأساس بالخير والفضيلة التي ارتسمت في لوح الوجود الحق الذي لا يكتنهه إلا خالق الوجود ومدبر الكون على ما يعلم فيه من سنن وشئون، وليس ذلك المبصر إلا وحي العليم الحكيم:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}(١) اهـ.
* * *
وبعض الناس يريد أن يرجع بالأخلاق الفاضلة أو الخير الذي دعا الله سبحانه إليه إلى المصلحة العامة، ولكن المصلحة العامة كلمة غير محددة. وكل من يتحدث باسم المصلحة العامة: إنما يتحدث باسم فكرته هو سواء أكانت هذه الفكرة منحرفة أم ليست منحرفة.
والمصلحة العامة إذن كأساس للأخلاق: إنما هي أساس غير مضمون.
وبعض الناس يريد أن يرجع بالأخلاق إلى المصلحة الشخصية أو إلى اللذة أو إلى المنفعة.