للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجع عمر - رحمه الله - عن ذلك بما رواه مالك في الموطأ (١). قال ربيعة قدم رجل من أهل العراق على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: قد جئتك بأمر لا رأس له ولا ذنب، فقال له عمر: وما هو؟ فقال: شهادات الزور ظهرت بأرضنا، فقال عمر - رضي الله عنه -: " والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول " وهذا يدل على رجوعه عما في هذه الرسالة، (٢).

وروى ابن القيم قال: [روى أبو عبيد: ثنا الحجاج، عن المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عمر بن الخطاب: " لا يؤسر أحد في الإسلام بشهداء السوء فإنا لا نقبل إلا العدول " (٣).

والذي يظهر لي أن ليس في هذا رجوع من عمر. إذ في رسالته ذكر أن المسلم عدل بإسلامه إلا المحدود في القذف، ومن جرب عليه شهادة الزور، أو اتهم في تزوير نسبه. ولا نبحث فيه غير ذلك، أما إذا قدح فيه الخصم ولم يرض شهادته نظر فإن كان قدحه لتعوده التزوير ردت الشهادة لأنها هي المعنية. أما إن ذكر عنه بعض المعاصي، فلا يلتفت إلى قدحه لأنه لا يسلم منها أحد، إذ الله - عز وجل - لم يرد من عباده أن يكونوا ملائكة لا يعصون الله، بل ركب فيهم قابلية المعصية، روى مسلم - رحمه الله - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم (٤)» وقال - صلى الله عليه وسلم -: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون (٥)».

وقد جعل الله تعالى من صفات المؤمنين التوبة من الذنوب والفواحش، فقال بعد


(١) موطأ الإمام مالك - كتاب الأقضية، باب ما جاء في الشهادات - شرح الزرقاني على الموطأ جـ٣ ص ٣٨٧ - ٣٨٨.
(٢) تبصرة الحكام جـ ١ ص٢٨.
(٣) إعلام الموقعين جـ ١ ص ١٣٩.
(٤) صحيح مسلم - كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستعفار توبة - صحيح مسلم بشرح النووي جـ١٧ص٦٥.
(٥) رواه الترمذي وقال: حديث غريب. سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع رقم الباب ٤٩ جـ٤، ص ٦٥٩.