للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول سيدنا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم "

* * *

وتتفاوت استعدادات الناس ومراكزهم فيما يتعلق بمسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبعضهم يأمر بيده، أي يغير المنكر ويقف في وجهه بالقوة، وهذه مرتبة الحكام. ومنهم من يقف في وجه المنكر بلسانه، وذلك مرتبة كل عارف، وليست خاصة بطبقة دون طبقة من الناس، وذلك أن معرفة الأمي بأن السرقة حرام كمعرفة العالم بحرمتها، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالخمر أو الاختلاس أو الاغتصاب، والمسئولية تترتب على المعرفة، فما دامت هناك معرفة فهناك مسئولية، ولا تختص - إذن - مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القولية بعلماء الدين فحسب، وإنما هي موزعة على كل من يعلم بالمعروف ويعلم بالمنكر.

ومن الناس من لا يستطيع أن يقف في وجه المنكر إلا بقلبه، وهذه الطبقة - وإن كانت في المرتبة الأولى - طبقة الذين لا يستطيعون الجهاد باليد، ولا الجهاد باللسان، فإنها - في حقيقة الأمر - تعم جميع أفراد الأمة، أي أن المجاهد بيده يجب أن يكون في الوقت نفسه مجاهدا بقلبه، والمجاهد بلسانه يجب في الوقت نفسه أن يكون مجاهدا بقلبه، وينتفي الإيمان - في وضعه السليم الصادق - بانتفاء الجهاد القلبي. والجهاد القلبي معناه عدم الرضا عن فعل المنكر، ومظهر عدم الرضا إنما هو اعتزال فاعل المنكر إذا لم يرعو ولم يأخذ بالنصيحة، فإذا كان تاجرا لا يشتري الإنسان منه، وإن كان مشتريا لا يبيعه، وإذا كان صديقا يقطع صداقته فلا يؤاكله ولا يشاربه ولا يجالسه، وإذا كان مرشحا لأية هيئة نقابية مثلا لا يساعده ولا يعينه، ولا ينتخبه، وذلك أن المجاهر بالمنكر محاد لله ورسوله، وجزاء الذين يحادون الله ورسوله معروف، وقد حرم الله - سبحانه - أن يعقد المؤمن صداقة ومودة بينه وبين الذين يجاهرون بالمنكر، فقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١) سورة المجادلة.

هذا هو الجهاد القلبي: إنه ليس جهادا سلبيا، كلا، وإنما هو في حقيقة الأمر علاج حاسم للمجاهرين


(١) سورة المجادلة الآية ٢٢