للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولذا فإن الإنسان إذا ما حصل على بغيته من متاع الدنيا، وسارت معه ريح الشهوات كما يهوى، فإنه ينسى كل شيء حتى نفسه التي بين جنبيه، بل وينسب لها ما ليس لها، ويدعي فيما أوتي من متاع مثل ادعاء قارون:

{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} (١).

ولذا لزم تذكيره، كي لا يعدو قدره، ويتجاوز حده. . . . ومن طبع الإنسان أيضا حين يحصل مراده، وما تشتهيه نفسه أن يجنح إلى الطغيان، وتلك حقيقة ثابتة قررها القرآن الكريم في قوله عز وجل:

{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} (٢) {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (٣).

ومن شأن الطغيان أن يحمل على الظلم، ومن شأن صاحبه أن يكون كنودا جحودا كما جاء بيانه في الآية:

{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} (٤) {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} (٥) {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} (٦).

ولكن بإيزاء هذه الصفات التي تصطرع في داخله، نرى أن الله تعالى قد منحه صفات أخرى فيها من السمو والكمال ما يرفعه إلى آفاق عليا - إذا استقام عليها وأخذ بعزائمها، فقد أعطاه منحة العقل، الذي به يعرف الهدى، أعطاه خاصية التعبير الذي به يبين، وميزه بفضيلة التعليم حتى يغاير البهيم. وذلك كله من رحمته - سبحانه - التي تجلت في اسمه الفريد " الرحمن "، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ} (٧) {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (٨) {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (٩) {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (١٠). ومن الصفات التي امتن الله تعالى بها على الإنسان، وجعلها من آياته: الرحمة التي أودعت بين جنبيه، والمودة التي تملأ نفسه، والعطف الذي يخالط شغاف


(١) سورة القصص الآية ٧٨
(٢) سورة العلق الآية ٦
(٣) سورة العلق الآية ٧
(٤) سورة العاديات الآية ٦
(٥) سورة العاديات الآية ٧
(٦) سورة العاديات الآية ٨
(٧) سورة الرحمن الآية ١
(٨) سورة الرحمن الآية ٢
(٩) سورة الرحمن الآية ٣
(١٠) سورة الرحمن الآية ٤