للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: هو من النبوة - بفتح النون وسكون الباء، وهي العلو، فمعنى النبي: المعلى الرفيع المنزلة، والأصح أن هذا المعنى لازم للأول، فمن أنبأه الله وجعله منبئا عنه، فلا يكون إلا رفيع القدر عليا. وأما لفظ العلو والرفعة فلا يدل على خصوص النبوة، إذ يوصف بهذا من ليس نبيا كما قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (١).

* * *

ويقول الإمام ابن تيمية: وقراءة الهمزة قاطعة بأنه مهموز، وما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا نبي الله ولست نبيء الله» فما رأيت له إسنادا، لا سندا ولا مرسلا، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث، ولا السير المعروفة، ومثل هذا لا يعتمد عليه.

ثم يبين الإمام ابن تيمية أننا إذا اعتبرنا النبي مهموز الأصل، فإن الهمزة يمكن أن تلين، فذلك جائز، فتصير حرفا معتلا، فيعبر عنه باللفظين فترد إليه القراءتان بخلاف المعتل، فإنه لا يجعل همزة، فيجب القطع بأن النبي مأخوذ من الإنباء لا من النبوة بفتح النون وسكون الباء.

على أنه إذا كان هذا هو التحديد اللفظي واللغوي لمعنى النبوة، فإن أغلب تحديدات معنى النبوة تدور حول هذا ولا تزيد عنه إلا قليلا.

فإن المشهور في عرف الشرع - كما يقول الإمام الألوسي -: (إن النبي من أوحي إليه سواء أمر بالتبليغ أم لا).

أما صاحب شرع المقاصد على المواقف فيقول: (إن النبوة هو كون الإنسان مبعوثا من الحق إلى الخلق) (٢).

أما الإمام محمد عبده، فإنه لا يحدد معنى النبوة بتعريفها بل يحددها بهدفها يقول: (النبوة تحدد ما ينبغي أن يلحظ في جانب واجب الوجود من الصفات، وما يحتاج إليه البشر كافة من ذلك، وتشير إلى خاصتهم بما يمكن لهم أن يفضلوا به غيرهم في مقدمات عرفانهم، لكنها لا تخدم إلا ما فيه الكفاية للعامة (٣).

على أننا إذا نظرنا إلى مجموع هذه التحديدات لمعنى النبوة نجد أنها لا تكفي كفاية تامة لتحديد معنى النبوة، فلم تحدثنا هذه التعريفات، عن علامات الرسل وسماتهم المحدودة، وعن خلقهم قبل الاصطفاء


(١) سورة آل عمران الآية ١٣٩
(٢) شرح المقاصد على المواقف جـ٢ ص ١٢٨.
(٣) رسالة التوحيد ص ٧٢.