للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (١) ففي هذه الآيات عبر سبحانه وتعالى عن تجزئه أحكام الله بأنها فتنة. وأي فتنة تلك التي يقع فيها المسلم حين يحار في نظام يفرض في بلد ترتفع فيه المآذن وتقام فيه الصلوات. ثم تعطل الحدود، أو تمنع فيه الزكاة، أو يسمح فيه بالربا تحت اسم الفائدة أو تحت أي اسم آخر؟

* * *

وبعد أن عبر سبحانه وتعالى عن تجزئه أحكام الله بأنها فتنة، ووضع لنا الميزان الحق الذي لا تزيغ معه القيم ولا تختل المفاهيم، فجعل حكم الله كاملا في كفة وجعل ما دون ذلك حكم الجاهلية، سواء عطلت الشريعة كلها أو بعضها؛ لأن الجاهلية تتحقق بالمعصية والانحراف الصغير كما تتحقق بالكفر والانحراف الكبير.

وفي مكان آخر عبر الله سبحانه عن هذه الفتنة الجاهلية بالكفر فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} (٢)

وكما يتحقق الكفر بجحود كل القرآن يتحقق بجحود بعضه، وكما يتحقق الكفر برفض كل القرآن يتحقق كذلك برفض بعضه.

وأخيرا عبر عنها القرآن بأنها محاربة لله ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٣) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (٤)

حرب من الله ورسوله إذا عطلنا حكما واحدا، إذا أبحنا الربا، وكم من بلادنا الإسلامية تبيح الربا تحت اسم الفائدة في البنوك. أو تحت اسم المعاملات التجارية بين الأفراد، وكأننا نخدع الله بتغيير اسم الربا


(١) سورة المائدة الآية ٥٠
(٢) سورة البقرة الآية ٨٥
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٨
(٤) سورة البقرة الآية ٢٧٩