رأسا على عقب فها هو المصرف أصبح دائنا والمقترضون أقل غنى منه بكثير طبقا لكلام الكاتب، أي أنه في تلك الحالة ينطبق عليه تماما ما يتصوره الكاتب في ربا الجاهلية فكيف جوز تلك المعاملة؟ ونلاحظ أيضا أنه يعترف صراحة هنا بكونها عملية قرض، والمتفق عليه أن أي زيادة مشترطة في القرض ربا. ثم إنه يمتلك من الجرأة ما تجعله يقول إن القرض نظير المضاربة وما دامت جائزة فيجوز نظيرها. من الذي قال إن القرض نظير المضاربة؟ وفي تناوله للمضاربة بحيث يؤكد على هذا التشابه والتناظر، كما يقول ذكر آراء بعض المعاصرين الذين يرى الكاتب رأيهم. ونلاحظ أن من تكلم في المضاربة من المعاصرين من أمثال الشيخ خلاف رحمه الله إنما ناقش مسألة اشتراط كون الربح نسبة وليس مبلغا محددا، وذهب إلى أن هذا الشرط لا يجب التقيد به لأنه من كلام الفقهاء وليس من القرآن ولا من السنة. ونحن هنا لا نناقش الشيخ خلاف فيما ذهب إليه لسبب بسيط هو أن مجال حديثه غير مجالنا، فنحن نتكلم عن معاملة مصرفية اعترف الكاتب بأنها قرض وهو يتكلم عن المضاربة وشتان بين هذا وذاك. وهب أن كلام الشيخ خلاف له وجه - مع عدم التسليم به - فإن ذلك لا يخدم وجهة نظر الكاتب لا من قريب ولا من بعيد، وذلك لأن القرض عقد ينقل الملكية نقلا كاملا للمقترض بتسلمه للقرض فيصبح القرض ملكا ومالا للمقترض يتصرف فيه كيف يشاء وهو ملتزم برد مثله للمقرض مهما كانت الظروف (١).
بينما المضاربة عقد شركة لا ينقل ملكية المال بل يظل مملوكا لصاحبه وكل ما للمضارب فيه هو العمل عليه؛ ولذلك لو تلف أو فقد أو خسر بلا إهمال أو تعد من المضارب، فإن ذلك كله يحسب على صاحبه عكس
(١) انظر في ذلك: الكاساني: " بدائع الصنائع " ج٨ ص٣٥٩٦ نشر زكريا يوسف.