للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا كانت حياة المسلم كلها - كما أرادها الله - عبادة خالصة له سبحانه في جميع جوانبها الخاصة والعامة، والاعتقادية والعملية. . . فالمسلم عبد الله في كل تحرك وسكون {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (١).

ومن هنا عرف الإمام ابن تيمية - رحمه الله - العبادة بأنها:

" اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، كالصلاة والزكاة، والصيام والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.

وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضى بقضائه والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك من العبادة لله.

وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له التي خلق الخلق لها كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٢) (٣).

وفي تأكيد هذا الشمول لمعنى العبادة يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: " ليس في التصور الإسلامي نشاط إنساني لا ينطبق عليه معنى العبادة، أو لا يطلب فيه تحقيق هذا الوصف، والمنهج الإسلامي كله غايته تحقيق معنى العبادة أولا وأخيرا. . . " (٤).

وإذا ما عرف العلماء العبادة بالخضوع الشامل، والطاعة الكاملة، فلا بد لنا من أن نلاحظ في تعريف العبادة بالنسبة للإنسان قيدا خاصا يميز خضوعه عن خضوع غيره من المخلوقات، فالكون كله بأملاكه وأفلاكه، وجماداته وحيواناته خاضع لله عز وجل لا يخرج عن طاعته قيد شعرة، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (٥).

ولهذا كان لا بد لنا من قيد مميز لعبادة الإنسان عن عبادة غيره من المخلوقات، قيد ينسجم مع ما وهبه الله إياه من نعمة العقل، ألا وهو قيد " الإرادة ".

فعبادة الإنسان لله هي: خضوعه الإرادي الشامل وطاعته الإرادية المطلقة له سبحانه، أما الخضوع القسري فلا مزية فيه لمخلوق على مخلوق. . .


(١) سورة الأنعام الآية ١٦٢
(٢) سورة الذاريات الآية ٥٦
(٣) انظر كتاب العبودية ص ٣٨ - ٣٩.
(٤) انظر كتاب فقه الدعوة ص ٦٦.
(٥) سورة فصلت الآية ١١