للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هنا نلاحظ أن القرآن الكريم استعمل لفظة العبادة بالنسبة للإنسان استعمالا يشعر بهذا القيد الإرادي فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (١) وقال أيضا: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (٢) والاستكبار عن العبادة أمر إرادي لا يكون إلا من الإنس والجن. أما غيرهم من الملائكة مثلا فلا يعرفون الاستكبار؛ لأنهم مفطورون على الطاعة والخضوع. قال تعالى في وصف الملائكة:

{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} (٣) ولهذا كان مفهوم العبادة في الإسلام يشتمل على عنصرين:

١ - الخضوع الشامل لله عز وجل.

٢ - كون هذا الخضوع إراديا مقصودا.

ولما كان الخضوع الإرادي لله عز وجل عنوان العبادة الحقيقية من هذا الإنسان، كان كافيا أن يرافق هذا الخضوع أي تصرف من تصرفات الإنسان الاختيارية أو الاضطرارية ليصبح هذا التصرف عبادة لله عز وجل؛ لأنه ابتغى به وجهه، وجاء على وفق رضائه، ومن هنا كان بإمكان المسلم أن يجعل حياته كلها عبادة حتى عاداته وغرائزه من طعام وشراب ولباس وسكن ومتعة في هذه الحياة. . .

فهو يماثل غيره في صور هذه التصرفات، ويتميز عن غيره في حقيقتها واعتبارها. . . ففي الحديث الشريف: «(وفي بضع أحدكم صدقة) قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) (٤)».

كما يكفي أن يفارق هذا الخضوع الإرادي أي تصرف من تصرفات الإنسان ليفقد هذا التصرف وصف العبادة حتى ولو كان هذا التصرف صلاة وصياما، أو زكاة وحجا أو غير ذلك من شعائر العبادات، «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (٥)» ... كأن يقوم بمثل هذه العبادات ولا يقصد منها العبادة أو أن تكون من فاقد العقل مثلا.

* * *


(١) سورة غافر الآية ٦٠
(٢) سورة الصافات الآية ٣٥
(٣) سورة الأعراف الآية ٢٠٦
(٤) رواه مسلم.
(٥) متفق عليه.