للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال: هل عندك حجة غير هذا؟ قال: نعم قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ} (١) {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} (٢) ولم يقل خلق القرآن، وقال تعالى: {يس} (٣) {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} (٤) ولم يقل المخلوق، فقال المعتصم: أعيدوه للحبس وتفرقوا، فلما كان من الغد جلس المعتصم مجلسه ذلك. وقال: هاتوا أحمد بن حنبل فاجتمع الناس، وسمعت لهم ضجة ببغداد فلما جيء به، وقف بين يديه والسيوف قد جردت والرماح قد ركزت والأتراس قد نصبت والسياط قد طرحت.

فسأله المعتصم عما يقول بالقرآن. قال: أقول غير مخلوق، وأستدل بقوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} (٥) الآية، قال: فإن يكن القول من الله تعالى فإن القرآن كلام الله، وأحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فناظروه بحضرته ثلاثة أيام وهو يناظرهم، ويظهر عليهم بالحجج القاطعة ويقول: أعطوني دليلا من كتاب الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال المعتصم قهرنا أحمد وحلف ليضربنه بالسياط، وأمر الجلادين فأحضروا ولما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم فقال: ائتوني بغيرها.

* * *

قال أبو عبد الله: ثم صيرت بين العقابين، والعقابان بضم العين خشبتان يوضع بينهما الرجل ليجلد قاله في تاج العروس، فعلق الإمام أحمد بالعقابين، ورفع حتى صار بينه وبين الأرض مقدار قبضة، قال أحمد: وشدت يداي وجيء بكرسي فوضع له - يعني للمعتصم - وابن أبي دؤاد قائم على رأسه والناس أجمعون قيام ممن حضر، فقال لي إنسان ممن شهدني: خذ بنابي الخشبتين بيدك، وشد عليهما فلم أفهم ما قال. قال: فتخلعت يداي لما شددت، ولم أمسك الخشبتين، قال أبو الفضل - يعني ابنه صالحا - ولم يزل أبي - رحمه الله - يتوجع منهما من الرسغ إلى أن توفي، قال أبو عبد الله فقلت: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث (٦)». الحديث. فبم تستحل دمي وأنا لم آت شيئا من هذا. يا أمير المؤمنين اذكر وقوفك بين يدي الله عز وجل كوقوفي بين يديك، يا أمير المؤمنين راقب الله، فلما رأى المعتصم ثبوت أبي عبد الله وتصميمه لان فخشي ابن أبي دؤاد من رأفته عليه فقال: يا أمير المؤمنين إن تركته قيل: إنك تركت مذهب المأمون وسخطت قوله، أو أن يقال: غلب خليفتين فهاجه ذلك، وطلب كرسيا جلس عليه، وقام ابن أبي دؤاد وأصحابه على رأسه ثم قال للجلادين: تقدموا وجعل أحدهم يتقدم إلى الإمام أحمد فيضربه سوطين ثم يتنحى ثم يتقدم الآخر فيضربه سوطين، والمعتصم يحرضهم على التشديد في الضرب، ثم قام إليه المعتصم وقال له يا أحمد: علام تقتل نفسك إني والله عليك لشفيق فما تقول؟ فيقول أحمد: أعطوني دليلا من كتاب الله وسنة رسوله حتى أقول به، ثم رجع المعتصم، فجلس فقال للجلاد: تقدم وحرضه على إيجاعه بالضرب ويقول: شدوا قطع الله أيديكم، قال أحمد: فذهب عقلي عند ذلك فلم أفق إلا وقد أفرج عني ثم جيء بي إلى دار إسحاق


(١) سورة الرحمن الآية ١
(٢) سورة الرحمن الآية ٢
(٣) سورة يس الآية ١
(٤) سورة يس الآية ٢
(٥) سورة السجدة الآية ١٣
(٦) صحيح البخاري الديات (٦٨٧٨)، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (١٦٧٦)، سنن الترمذي الديات (١٤٠٢)، سنن النسائي تحريم الدم (٤٠١٦)، سنن أبو داود الحدود (٤٣٥٢)، سنن ابن ماجه الحدود (٢٥٣٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٨٢)، سنن الدارمي الحدود (٢٢٩٨).