للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يريد قوله تعالى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (١) وقوله {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} (٢) المعنى أن أخاطر بتركي مقتضى الأمر بالأولى- أحب إلي من أن أخاطر بالدخول تحت الآية الأخرى (٣).

وقال ابن الأثير: الغرر ماله ظاهر تؤثره وباطن تكرهه، فظاهره يغر المشتري وباطنه مجهول (٤).

وأما كلام الفقهاء، فقد قال السمرقندي في أثناء الكلام على أنواع البيوع الفاسدة قال: ومنها أن يكون في المبيع وفي ثمنه غرر مثل بيع السمك في الماء وهو لا يقدر على تسليمه بدون الاصطياد والحيلة، وبيع الطير في الهواء، أو بيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه إليه؛ لأنه باع ما ليس بمملوك له للحال، وفي ثبوته غرر وخطر (٥).

وأما المذهب المذهب المالكي فإن القرافي - رحمه الله - ذكر بحثا في الفرق بين الجهالة والغرر من حيث الحقيقة والأثر، نصه ما يلي:

اعلم أن العلماء قد يتوسعون في هاتين العبارتين فيستعملون إحداهما موضع الأخرى، وأصل الغرر هو الذي لا يدري هل يحصل أم لا، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، وأما ما علم حصوله وجهلت صفته فهو المجهول، كبيعه ما في كمه، فهو يحصل قطعا، لكن لا يدري أي شيء هو.

فالغرر والمجهول كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه وأخص من وجه، فيوجد كل واحد منهما مع الآخر وبدونه، أما وجود الغرر بدون الجهالة، فكشراء العبد الآبق المعلوم قبل الإباق لا جهالة فيه، وهو غرر؛ لأنه


(١) سورة الحجرات الآية ٩
(٢) سورة النساء الآية ٩٣
(٣) لسان العرب ٦/ ٣١٧ ويرجع أيضا إلى القاموس ٢/ ٩٩ وما بعدها.
(٤) جامع الأصول ١/ ٥٢٧ - ٥٢٨.
(٥) تحفة الفقهاء ٢/ ٦٦ - ٦٧.