للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البطون والطير في الهواء. قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده ما ذكرناه، وهو أنه إن دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة - وكان الغرر حقيرا - جاز البيع، وإلا فلا، وما وقع في بعض مسائل الباب من اختلاف العلماء في صحة البيع فيها وفساده - كبيع الغائبة - مبني على هذه القاعدة، فبعضهم يرى أن الغرر حقير فيجعله كالمعدوم فيصح البيع، وبعضهم يراه ليس بحقير فيبطل البيع، والله أعلم (١).

قال الخطابي على هذا الحديث: قال الشيخ أصل الغرر هو ما طوي عنك علمه وخفى عليك باطنه وسره، وهو مأخوذ من قولك: طويت الثوب على غره، أي: على كسره الأول، كل بيع كان المقصود منه مجهولا غير معلوم، ومعجوز عنه غير مقدور عليه فهو غرر، وذلك مثل أن يبيعه سمكا في الماء، أو طيرا في الهواء، أو لؤلؤا في البحر، أو عبدا آبقا، أو جملا شاردا، أو ثوبا في جراب لم يره ولم ينشره، أو طعاما في بيت لم يفتحه، أو ولد بهيمة لم يولد، أو ثمرة شجرة لم تثمر، ونحوها من الأمور التي لا تعلم ولا يدرى هل تكون أو لا، فإن البيع مفسوخ فيها. وإنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن هذه البيوع تحصينا للأموال أن تضيع، وقطعا للخصومة والنزاع أن يقعا بين الناس فيها، وأبواب الغرر كثيرة، وجماعها ما دخل في المقصود منه الجهل (٢).


(١) شرح النووي على مسلم ١٠/ ١٥٦، ١٥٧.
(٢) مختصر وشرح وتهذيب أبى داود ٥/ ٤٧، ٤٨.