للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أجاب الأستاذ مصطفى الزرقا عن كون عقد التأمين فيه غرر بقوله: إن الغرر في اللغة العربية هو الخطر، والمراد به في هذا المقام الشرعي أن يكون أصل البيع الذي شرع طريقا لمعاوضة محدودة النتائج والبدلين، قائما على مخاطرة أشبه بالقمار والرهان بحيث تكون نتائجه ليست معاوضة محققة للطرفين، بل ربحا لواحد وخسارة لآخر بحسب المصادفة.

وبالنظر فيما نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - من البيوع تطبيقا لما نهى من الغرر يتضح لنا المقصود من الغرر في الحديث النبوي.

فقد نهى النبي - عليه السلام - تطبيقا لذلك عن بيع المضامين، وهي ما سوف ينتج من أصلاب فحول الإبل الأصيلة من أولاد.

ونهى عن بيع الملاقيح، وهي ما ستنتجه إناث الإبل الأصيلة من نتاج. ونهى أيضا عن ضربة القانص، وهي بيع ما ستخرجه شبكة الصياد البحري من السمك أو ما يقع في شبك الصياد البري من حيوان أو طير. . . ونهى أيضا عن بيع ضربة الغائص، وهي ما سيخرجه الغواص من لؤلؤ في غوصته المقبلة، ونهى أيضا عن بيع الثمار على الأشجار في بداية انعقادها قبل أن يبدو صلاحها وتأمن العاهة، وقال للسائل عنها: «أرأيت لو منع الله الثمرة فبم يستحل أحدكم مال أخيه (١)» تلك المناهي النبوية تطبيق للنهي عن الغرر وهي كما يرى من طبيعة واحدة تدل على نوع المقصود وقد قرر الفقهاء بناء على هذا النظر عدم انعقاد بيع الأشياء غير مقدورة التسليم، أي: التي لا يستطيع البائع فيها التنفيذ العيني بتسليم المبيع ذاته، ولو كانت معيبة بذاتها لا جهالة فيها عند العقد، كبيع طير في الهواء، أو سمكة في الماء لا يمكن أخذها إلا بصيد؛ لأن صيدها غير موثوق بإمكانه فيكون ذلك غررا، وإذا نظرنا أيضا إلى أن عنصر المغامرة والاحتمال والمخاطرة في حدوده الطبيعية، قلما تخلو منه أعمال الإنسان


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٩٩)، صحيح مسلم المساقاة (١٥٥٥)، سنن الترمذي البيوع (١٢٢٨)، سنن النسائي البيوع (٤٥٢٦)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٧١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٥٠)، موطأ مالك البيوع (١٣٠٤).