للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتصرفاته المشروعة باتفاق المذاهب.

فالتجارة والزراعة والكفالة وسائر الأعمال والتصرفات التي يبتغى من ورائها مكاسب حيوية هي معرضة للأخطار، وفاعلها مقدم على قدر من الغرر، والمغامرة لا تخلو منه طبيعة الأشياء، إذا نظر ذلك وتأملنا في أنواع التصرفات التي خصها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي تطبيقا للنهي عن الغرر، ومنها ما قد علل النبي - عليه السلام - نفسه نهيه عنه بالغرر، أدركنا أن الغرر المنهي عنه هو نوع فاحش متجاوز لحدود الطبيعة، بحيث يجعل العقد كالقمار المحض، اعتمادا على الحظ المجرد في خسارة واحد وربح آخر دون مقابل، فلا يصلح أن يكون أساسا يعتمد عليه في تصرفات اقتصادية كما في الأمثلة المتقدمة لأنها ترتكز على أسس موهومة.

فإذا طبقنا هذا المقياس على نظام التأمين وعقده وجدنا الفرق كبيرا، فعقد التأمين فيه معاوضة محققة النتيجة فور عقده حتى إني لأنتقد على القانونيين عدة من العقود الاحتمالية دون تحفظ، فالتأمين فيه عنصر احتمالي بالنسبة إلى المؤمن فقط، حيث يؤدي التعويض إلى المستأمن إن وقع الخطر المؤمن عنه، فإن لم يقع لا يؤدي شيئا، على أن هذا الاحتمال أيضا إنما هو بالنسبة إلى كل عقد تأمين على حده، لا بالنسبة إلى مجموع العقود التي يجريها المؤمن، ولا بالنسبة إلى نظام التأمين في ذاته؛ لأن النظام وكذا مجموع العقود يرتكزان على أساس إحصائي ينفي عنصر الاحتمال حتى بالنسبة للمؤمن عادة.

أما بالنسبة إلى المستأمن فإن الاحتمال فيه معدوم؛ ذلك لأن المعاوضة الحقيقية في التأمين بأقساط إنما هي بين القسط الذي يدفعه المستأمن وبين الأمان الذي يحصل عليه، وهذا الأمان حاصل للمستأمن بمجرد العقد دون توقف على الخطر المؤمن منه بعد ذلك؛ لأنه بهذا الأمان الذي حصل عليه واطمأن إليه لم يبق بالنسبة إليه فرق بين وقوع الخطر