للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدمه، فإنه إن لم يقع الخطر ظلت أمواله وحقوقه ومصالحه سليمة، وإن وقع الخطر عليها أحياها التعويض، فوقوع الخطر وعدمه بالنسبة إليه سيان بعد عقد التأمين، وهذا ثمرة الأمان والاطمئنان الذي منحه إياها المؤمن نتيجة للعقد في مقابل القسط، وهنا المعاوضة الحقيقية على أن عنصر الاحتمال قد قبله الفقهاء في الكفالة ولو عظم، فقد نصوا على أن الإنسان لو قال لآخر: تعامل مع فلان وما يثبت لك عليه من حقوق فأنا كفيل به، صحت الكفالة هكذا، رغم الاحتمال في وجود الدين في المستقبل وجهالة مقداره؟.

وصرحوا بصحة تعليقها على الخطر المحض في الشرط الملائم، كما لو قال الشخص لدائن: إن أفلس مدينك فلان أو مات في هذا الشهر مثلا أو إن سافر فأنا كفيله، فإن الكفالة تنعقد صحيحة ويلتزم بموجبها إن وقع الشرط.

فعلى فرض وجود غرر في عقد التأمين ليس هو من الغرر الممنوع شرعا، بل من النوع المقبول، فإن قيل: إن الأمان ليس مالا يقابل بعوض؟ قلنا: إن الأمان أعظم ثمرات الحياة، وهو الذي امتن الله به على قريش بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} (١) {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (٢) وإن الإنسان يسعى ويكد ويكدح ويبذل أغلى الأثمان من ماله وراحته في سبيل الحصول على الأمان والاطمئنان لنفسه ولأسرته ولحقوقهم ولمستقبلهم، فأي دليل في الشرع يثبت أنه لا يجوز الحصول عليه لقاء مقابل؟ هذا تحكم في شرع الله.

وإننا نجد في بعض العقود القديمة المتفق بين جميع المذاهب الفقهية على شرعيتها ما يشهد لجواز بذل المال بطريق التعاقد بغية الاطمئنان والأمان على الأموال، ذلك هو عقد الاستئجار على الحراسة (٣).


(١) سورة قريش الآية ٣
(٢) سورة قريش الآية ٤
(٣) أسبوع الفقه الإسلامي ٤٠١ وما بعدها.