للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مائة ويسترد مائة، وأن الشركة قد تخسر مائتين وقد تكسب من مستأمن واحد ألفا، وأن ما يأخذه المستأمن أو ورثته أخذ بغير حق، ولاشيء في عقد التأمين يعد محقق الأخذ والعطاء، وأنه بهذا إن لم يكن مقامرا ففيه معنى القمار أو شبهته، ولكن الأستاذ مصطفى ينفي هذا التشابه نفيا باتا؛ لأن القمار لعب وهذا جد، ولأن القمار يؤدي إلى البغضاء ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذا ليس فيه شيء من ذلك، ويرده بأن هذا عقد فيه التزامات متبادلة وليس القمار فيه هذا المعنى.

وبالحق إن الذين شبهوه بالقمار قد لاحظوا عنصر المخاطرة، وعدم التناسق بين المكسب والخسارة، وعدم التقابل العادل في حال الكسب، وادعاء أن القمار دائما لعب - غريب؛ لأن العرب كانوا يستقسمون بالأزلام فيحكمونها في القسمة، ويعتبرون القسمة بها عادلة، وقد نهى الله عنها في قوله تعالى {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} (١) واعتبر ذلك في المحرمات مع الخمر إذ قال سبحانه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} (٢) وهذا بلا ريب من أنواع القمار فليس كل قمار لعبا.

وأما الفرق الثاني وهو أن عقود التأمين ليس فيها صد عن ذكر الله وعن الصلاة وليس فيها إيغار للحقد والحسد والبغضاء، فنقول: إن هذه حكم وأوصاف مناسبة، وليست علة يسير معها الحكم طردا أو عكسا، بحيث يكون إن وجدت ويكون الحل إن لم تكن، ومن الذين يشربون الخمر من تبدو مودتهم وعطفهم فهل يمنع التحريم بالنسبة لهم؟

وأن كون عقد التأمين عقد معاوضة لا يمنع منه معنى القمار، بل إننا نقول إنه غير متعين أن يكون عقد معاوضة؛ لأن البدلين غير ثابتين، ولا يوجد محل عقد متعين يكون أحد البدلين، بل هو غير متعين، وأي معاوضة بين من يدفع عشرين فيأخذ مائتين، ثم أليس هذا ربا، وهذا


(١) سورة المائدة الآية ٣
(٢) سورة المائدة الآية ٩٠