هذا هو أساس المقامرة أن تخلق الصدفة خلقا وأن تعرض نفسك ومالك لحكم هذه الصدفة التي تخلقها، ورائدك أن تخلق ربحا وأنت في الغالب من الخاسرين، والميسر كما ترى فيه منفعة، ولكن فيه إثم، وإثمه أكبر من نفعه، وهو رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه والبعد عنه. أما التأمين فعلى العكس من ذلك، إذ أن الضرر الذي نخشاه واقع لا محالة، فالمشاهد - مثلا - أنه ما من سنة مرت بدون خسارة لحقت بعض الناس من حريق منازلهم أو محاصيلهم أو متاجرهم، والذي لا نعلمه؛ لأنه في ضمير الغيب هو من الذي سيصيبه الضرر، فإن تركت الأمور تجري في أعنتها بدون أن تعقلها، فإنك سوف لا تبيتن خالي البال، أما إن عقلتها وذلك بتعاونك مع زملائك من أصحاب المنازل والمحاصيل والمتاجر، وسلحت نفسك بعقد التأمين فتوكل على الله فسوف لا يصيبك الضرر حتى ولو حل بالمنزل الذي تملكه أو المتجر الذي تديره، فعقد التأمين لا يمنع ولا يرد القضاء، ولكنه يحقق اللطف وهو الوسيلة التي يتحقق بها الإنسان من إجابة دعائه عندما يدعو "اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه " والرجل الذي يكسب عيشه بنفسه وكده واجتهاده، يرى أنه لو مات فإنه يترك وراءه ذرية ضعافا، وأن الخير فيما قاله الرسول - صلوات الله عليه - «إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس (١)» والسبيل إلى ذلك هو الادخار عن طريق التأمين؛ لأن الادخار وحده قد لا يكفي إذا كان حبل الأجل قصيرا لتكوين المال اللازم لوقايتهم شر السؤال، وإنما الذي يكفي هو الادخار مع التعاون بين القادرين.
وعقد التأمين على الحياة هو العقد الوحيد الذي يجمع بين هاتين الصفتين، وهو ليس قمارا إذا أخذ الورثة المبلغ المؤمن قبل انتهاء المدة وإنما هو تعاون، والشخص لا يقامر بحياته ليأخذ ورثته المبلغ المؤمن، ولكنه في الحقيقة يدخره قرشا قرشا لو امتد به الأجل كما رأينا في المثل الذي ضربناه سابقا.
(١) صحيح البخاري الوصايا (٢٧٤٢)، صحيح مسلم الوصية (١٦٢٨)، سنن الترمذي الوصايا (٢١١٦)، سنن النسائي الوصايا (٣٦٢٨)، سنن أبو داود الوصايا (٢٨٦٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٧٦)، موطأ مالك الأقضية (١٤٩٥)، سنن الدارمي الوصايا (٣١٩٦).