ثم هو يتعاون مع زملائه بمبلغ آخر يكفي إذا ما ضم إلى ما يدفعه الآخرون لتكملة ما تركه الذين سبق إليهم حكم القدر.
ويمكن أن يجاب عن هذه المناقشة بما يأتي:
أولا- إن تحريم عقود التأمين مبني على أنها عقود معاوضة تجارية فيها مخاطرة لا على مجرد تسميتها عقود تأمين، ولا على قلة عدد الأطراف المتعاقدين أو كثرتهم، وقيام التأمين أساسا على نظرية الأعداد الكبيرة والأفراد الكثيرة، وأن لا يربح المتعاقد من عملية التأمين، بل يراعى أن يكون الربح أصالة لشركات التأمين وقيام التأمين على هذا من التعسف في وضع نظامه، والاحتياط بالشروط للاستئثار باتخاذه طريقا للتجارة والربح دون المؤمن له، وهذا الاحتياط لا يدفع ما في عقود التأمين من المخاطرة والمقامرة، بل جمع إلى ذلك آفة أخلاقية هي الأثرة الممقوتة في المعاوضات المالية.
ثانيا- ما ذكر في المناقشة من أن في التأمين تعاونا على بعث الطمأنينة وتحمل الأخطار، مردود بأن القصد الأول في عقود التأمين إلى المعاوضة التجارية للكسب، وقد يتم التعاون تبعا، وليس كل عقود المعاوضة تضمنت منفعة أو تعاونا مشروعة، بل قد يكون فيها من الخطر والإثم ما يطغى على ما فيها من التعاون والنفع كما في عقود التأمين.
ثالثا - ما ذكر في المناقشة من أمثلة للقمار إنما هو بيان لأنواع منه، وليس الميسر والقمار قاصرا على ذلك، بل يعم كل ما فيه مخاطرة.
رابعا - ما ذكر في المناقشة من الحث على الاحتياط لمن قد يخلفه من بعده من ورثة ضعفاء والاستدلال على هذا بحديث: «إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس (١)» - فهو مما جاءت به الشريعة، ولا نزاع فيه بين المسلمين، ولكن ينبغي له أن يجتهد لهم فيما
(١) صحيح البخاري المناقب (٣٩٣٦)، صحيح مسلم الوصية (١٦٢٨)، سنن الترمذي الوصايا (٢١١٦)، سنن النسائي الوصايا (٣٦٢٨)، سنن أبو داود الوصايا (٢٨٦٤)، سنن ابن ماجه الوصايا (٢٧٠٨)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٧٦)، موطأ مالك الأقضية (١٤٩٥)، سنن الدارمي الوصايا (٣١٩٦).