للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين؛ لأنه قال {فِي بِضْعِ سِنِينَ} (١) قال: أسلم عند ذلك ناس كثير. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وفي الجامع أيضا من حديث ابن عباس «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر في مناحبته: ألا أخفضت. وفي لفظ: ألا احتطت، فإن البضع من الثلاث إلى التسع (٢)». من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس.

قال ابن القيم: وقوله في الحديث "مناحبته " فالمناحبة المخاطرة، وهي المراهنة من النحب وهو النذر، وكلاهما مناحب هذا بالعقد وهذا بالنذر وقوله: ألا أخفضت. يجوز أن يكون من الخفض وهو الدعة، والمعنى هلا نسفت المدة فكنت في خفض من أمرك ودعة، ويجوز أن يكون من الخفض الذي هو من الانخفاض، أي هلا استزلتم إلى أكثر مما اتفقتم عليه. وقوله في اللفظ الآخر: هلا احتطت، هو من الاحتياط، أي هلا أخذت بالأحوط وجعلت الأجل أقصى ما ينتهي إليه البضع فإن النص لا يتعداه.

وقوله " وذلك قبل تحريم الرهان " من كلام بعض الرواة ليس من كلام أبى بكر ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقال ابن القيم أيضا: وقد اختلف أهل العلم في أحكام هذا الحديث ونسخه على قولين:

فادعت طائفة نسخه بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر والقمار، قالوا: ففي الحديث دلالة على ذلك وهو قوله، وذلك قبل تحريم الرهان، قالوا: ويدل على نسخه ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل (٣)». والسبق بفتح السين والباء، وهو الحظ الذي وقع عليه الرهان، وإلى هذا القول ذهب أصحاب مالك والشافعي وأحمد. وادعت طائفة أنه محكم غير منسوخ، وأنه ليس مع مدعي نسخه حجة يتعين المصير إليها.

قالوا: والرهان لم يحرم جملة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - راهن في تسبيق الخيل كما تقدم، وإنما الرهان المحرم على الباطل الذي لا منفعة فيه في الدين. وأما الرهان


(١) سورة الروم الآية ٤
(٢) سنن الترمذي تفسير القرآن (٣١٩١).
(٣) سنن الترمذي الجهاد (١٧٠٠)، سنن أبو داود الجهاد (٢٥٧٤)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٧٨)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٤٧٤).