للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والناس في الحياة إما أن يتبعوا ما أنزل الله فهذا هو الإسلام، والاعتراف بالحكم والتشريع لله، وإما أن يتبعوا من دونه أولياء فهذا هو الشرك، سواء رجع الضمير في قوله: من دونه إلى الرب، أو إلى (ما) في قوله: {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (١) فإن معنى الآية، هو نهي الأمة عن أن يتبعوا من دون الله أولياء يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله في خصائص الألوهية، ومنها التشريع، أو النهي عن أن يتبعوا من دون كتاب الله أولياء من أصحاب السلطة والرئاسة والتقنين كما كان يفعله أهل الجاهلية وأهل الكتاب من طاعة الرؤساء والأحبار والرهبان فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم.

ويأمرنا الله تعالى باتباع صراطه المستقيم وينهانا عن اتباع سواه. وصراط الله المستقيم هو سبيل دينه، وما شرعه لعباده من أحكام، فهو وحده الذي يجب اتباعه، وما سواه من الملل والنحل والمذاهب والقوانين لا تلتقي معه، بل تميل عنه، لأن الحق واحد لا يتعدد، والخط المستقيم بين نقطتين لا يكون إلا خطا واحدا قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (٢) وعن ابن مسعود قال: «خط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ: (٤)»

وأمرنا الله تعالى بطاعة رسوله، وذلك عام في كل ما جاء عن الله أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أمر ونهي، وتشريع وقضاء، حتى تتنزه سلطة الحكم من الجهالة والهوى وسائر ما ركب في الطبيعة البشرية من نقص، وما يعرض من المشكلات والأقضية التي لا نص فيها، وتختلف العقول في إدراكها، ويحصل عليها التنازع فإن الأمر فيها يرد إلى الله وإلى الرسول، أي إلى كتاب الله، وإلى الرسول في حياته، وإلى سنته بعد مماته، وهذا هو شرط الإيمان بالله واليوم الآخر، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٥)

وقد ذكر الأمر بالطاعة صريحا مع الله، ومع رسوله وجاءت طاعة أولي الأمر معطوفة دون التصريح بالفعل، لأن الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله، وللرسول، أما طاعة أولي الأمر فإنها تأتي تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (٦)».


(١) سورة الأعراف الآية ٣
(٢) سورة الأنعام الآية ١٥٣
(٣) صحيح البخاري الرقاق (٦٤١٧)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٥٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٦٥).
(٤) سورة الأنعام الآية ١٥٣ (٣) {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
(٥) سورة النساء الآية ٥٩
(٦) صحيح مسلم الإمارة (١٨٤٠)، سنن النسائي البيعة (٤٢٠٥)، سنن أبو داود الجهاد (٢٦٢٥).