للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتقرر الأديان السماوية وجوب الحكم بما أنزل الله حتى يستقيم أمر الحياة البشرية، فإنه لا يستقيم إلا بالدين، عقيدة وعبادة وتشريعا وحكما، فليس الدين صلة روحية لإشراقة النفس وبعدا عن التحاكم إليه في شئون الدنيا، وبهذا جاء الأمر في التوراة والإنجيل والقرآن ففي التوراة يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (١) وصيغة الخبر في مثل هذا الموضع {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ} (٢) إخبار عن القيام بالأمر الواجب.

وكما أمر أهل التوراة بتحكيم شريعة الله أمر أهل الإنجيل كذلك بالمضارع المقرون بلام الأمر {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (٣) وينتهي أمر الرسالات السماوية إلى الشريعة الإسلامية التي جاءت مهيمنة على ما قبلها، حتى تحتكم البشرية إليها في شئون حياتها كلها إلى يوم الدين، يقول تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (٤) ثم تكرر صيغة الطلب في قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (٥)

وقد أخبر الله تعالى في نهاية آيات الحكم بما أنزل الله أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق وذلك في سورة المائدة يقول تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (٦) {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٧) {وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (٨) {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (٩)

وإذا كانت هذه الآيات قد نزلت في أهل الكتاب فإن المذهب الحق الذي ذهب إليه الجمهور أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وقد أجمع الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة لعموم هذه الآية {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (١٠)


(١) سورة المائدة الآية ٤٤
(٢) سورة المائدة الآية ٤٤
(٣) سورة المائدة الآية ٤٧
(٤) سورة المائدة الآية ٤٨
(٥) سورة المائدة الآية ٤٩
(٦) سورة المائدة الآية ٤٤
(٧) سورة المائدة الآية ٤٥
(٨) سورة المائدة الآية ٤٦
(٩) سورة المائدة الآية ٤٧
(١٠) سورة المائدة الآية ٤٥