للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (١) {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (٢) فأخبر الله أنهم لن يفعلوا، وهؤلاء يقولون: قد فعلنا، وهذا قولنا وكلامنا.

ولعمري ما جسر الكفار- مع فصاحتهم وقدرتهم على أنواع الكلام الفصيح من الشعر والنثر والنظم والخطب البليغة والرسائل الحسنة- على دعوى هذا بعد أن عرض عليهم وتحدوا به، فأقروا بالعجز عنه.

فكيف ادعى هؤلاء مع لكنتهم (٣) وعيهم أن هذا الكلام القديم قولهم وتصنيفهم؟!.

الثالث: أن هذا إن كان حقا فيجب أن يفصحوا به ويظهروه لسلاطين المسلمين وعامتهم، ويعلنوه في محافل المسلمين وجماعتهم، ويقولوا على منابر المسلمين: هذا تصنيفنا وكلامنا وتأليفنا وقولنا، ولا يسلكون سبيل الزنادقة الذين أسروا الكفر واعتقدوه، وأظهروا الإسلام ووافقوا المسلمين فيه.

وهؤلاء قد سلكوا مسلكهم، واتبعوا طريقتهم: يعظمون القرآن في الظاهر بين المسلمين ويحترمونه، ويقومون للمصحف ويقبلونه ويرفعونه على رءوسهم، ويقولون: هذا قول الله تعالى، وكلامه القديم وكتابه الحكيم، ثم يعتقدون أنه قولهم وعبارتهم، وأنه كلام للمخلوقين: ما لله في الأرض كلام، ولا هذا بقرآن، ولا في المصاحف إلا الورق والمداد،


(١) سورة البقرة الآية ٢٣
(٢) سورة البقرة الآية ٢٤
(٣) في الأصل (لكنهم) بدون تاء، والصواب ما أثبت، والمعنى كيف يدعون هذا مع عجمتهم.