وقد ظهر ذلك بين الناس فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله. انتهى كلام النسفي.
أقول أبرز المخالفون بعد ذلك أنفسهم، واستقرت الفتوى في المذهب الحنفي على ما سمي:" القول الجامع " وهو أن بيع الوفاء ليس بيعا صحيحا، ولا بيعا فاسدا ولا رهنا، وإنما هو عقد جديد ذو موضوع وخصائص مختلفة عما لكل واحد من هذه العقود الثلاثة، ولكن فيه مشابه من كل عقد من هذه الثلاثة؛ لذلك قرر فقهاء المذهب بعد ذلك أحكاما مستمدة من هذه العقود الثلاثة جميعا، ولم يلحقوه بأحدها ويطبقون عليه أحكامه، والكلام في ذلك مبسوط في مواطنه من مؤلفات المذهب الحنفي وبهذا القول الجامع أخذت مجلة الأحكام العدلية حتى جاء قانوننا المدني سنة ١٩٤٩ م فمنع بيع الوفاء استغناء بأحكام الرهن الحيازي، والتاريخ اليوم يعيد نفسه فتتجدد لدينا مشكلة نظير مشكلة بيع الوفاء هي مشكلة عقد التأمين، فبعض العلماء يراه عقد مقامرة، وبعض آخر يراه عقد رهان يتحدى فيه قضاء الله وقدره، وبعض آخر يراه التزام ما لا يلزم وآخرون يرونه عقد تعاون مشروع على ترميم المضار وتحمل مصائب الأقدار فهو نظام معاوضة تعاونية، وإن انحرف به ممارسوه وأحاطوه بشوائب ليست من ضرورة نظامه، وواضح أني لا أعني تشبيه عقد بيع الوفاء بعقد التأمين من حيث الموضوع، وإنما أعني أن بيع الوفاء شاهد واقعي في تاريخ الفقه الإسلامي على جواز إنشاء عقود جديدة، وأنه اعتراه في أول نشأته ما اعترى اليوم عقد التأمين من اختلاف في تخريجه وتكييفه وإلحاقه ببعض العقود المعروفة قبلا وتطبيق شرائطه عليه، أو اعتباره عقدا جديدا مستقلا يقرر له من الأحكام الفقهية ما يتناسب مع خصائصه وموضوعه (١).