وقد أجاب الأستاذ أبو زهرة عن ذلك فقال: قد قرر أن الأصل في العقود عند الحنابلة وخصوصا ابن تيمية الإباحة حتى يقوم دليل على المنع، ونقول: إن موضوع الكلام كان في الشرط لا في أصل العقود، ولقد أجاب عن ذلك الأستاذ بأن المشارطات قد تؤدي إلى تغيير معنى العقد، وأن الاختلاف في العقود هو ذات الاختلاف في الشروط، ونقول: إن المذكور في كتاب العقود لابن تيمية هو في الشرط، ومجيئه للعقود إنما هو من أن الشروط بطبيعها تغير مقتضى العقد فهي تتضمن تغييرا في ماهيته من بعض النواحي، وإذا كان الأمر كذلك فإن عقد التأمين عقد جديد فهل يباح بمقتضى هذه القاعدة؟ وقد نساير الأستاذ الجليل ولا نمنع الإباحة ما دام العقد متفقا مع ما قرره الشارع من أحكام للعقود وليس مجافيا لها فالعبرة في هذا العقد من ناحية لا من حيث إنه عقد جديد يجوز، بل من ناحية ما اشتمل عليه، أيتفق مع أحكام الشريعة أم يخالفها.
وبالنسبة لبيع الوفاء قلنا: إن هذا العقد معناه أن يبيع شخص عينا على أن له استردادها إذا رد الثمن في مدة معلومة، وفي غالب أحوال هذا العقد تكون العين ذات غلة، فتكون غلتها للمشتري ويكون مؤدى العقد أن يكون قد اقترض البائع مبلغا فائدته هي غلة العين، وإذا لم تكن لها غلة فإن الربا ينتفي عنه وإن كان يندر ذلك.
وإن هذا العقد قد شاع في بلاد ما وراء النهر، وصارت القروض لا تكون إلا على أساسه، وللناس حاجة فيها فصارت الحاجة تطلبه، والحاجات إذا عمت نزلت منزلة الضرورات؛ ولذلك نقل ابن نجيم صحته والذين قالوا بصحته اختلفوا: أيخرج على أنه رهن أم يخرج على أنه بيع فيه شرط الخيار للبائع أو المشتري، وعلى الأول لا تباح الغلة وعلى الثاني