فالتأمين وإن لم يكن من ضروريات الناس إلا أنه من حاجياتهم التي يترتب على فقدها الضيق والمشقة، وقد أبيحت كثير من المعاملات التي يقتضي القياس منعها؛ لأن حاجة الناس تدعو إليها. ورغم كل هذا فإني لا أرى إباحة عقد التأمين بوضعه الحالي؛ لأنه لا يصح أن نلجأ إلى استخدام الضرورة أو الحاجة إلا إذا لم نجد سبيلا غيرها " (١).
وقد أجاب الأستاذ أبو زهرة - رحمه الله- عن ذلك، فقال: ونحن نقر بهذه الوقائع؛ لأننا لا نحاول إنكار الواقع ولكن لكي نحكم بأن التأمين غير التعاوني أمر ضروري لا بد أن نفرض أنه لا يمكن أن يوجد تأمين سواه؛ لأن الضرورة لا تكون إلا حيث تستغلق الأمور ويتعين المحرم سبيلا للإنقاذ، فهذا الذي يبلغ به الجوع أقصاه ولا يجد إلا الخنزير يأكله فإنه يباح له أكله، ولكن إن وجد طعاما آخر ولكنه دون الخنزير اشتهاء مع أنه طيب حلال لا يعد في حال ضرورة.
والأمر هنا كذلك فإن التأمين الاجتماعي فتح الأبواب، وإن لم يكن قائما أقمناه، وإن كان ضيقا وسعناه، وإذا كان الأفق محدودا وضعنا بين أيدي المفكرين أوسع الآفاق. ويعجبني أن قائدي السيارات في الخرطوم عندما فرض عليهم نظام التأمين كونوا من بينهم جماعة تعاونية تكون هي المؤمنة فيكونون جميعا مستأمنين ومؤمنين حفظ الله لهم إيمانهم، وبارك لهم في رزقهما؛ فهلا دعونا العالم الإسلامي إلى إيجاد نظام تعاوني بدل هذا النظام غير التعاوني الذي لا نزال مصرين على أنه بدعة يهودية.
إنه لا يصح لنا دينا أن نترك أمرا بينا نيرا ضاحيا، ونسير على أمر إن لم يكن حراما فهو مشتبه فيه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دع ما يريبك