وفي يقيني أننا نسبح في الطين إذا بدأنا مثل هذا البحث هكذا في عفوية عريانة، لا تتعمق حقائق هذه الروابط، ولا تهوم خلف آفاقها البعيدة لمعانقة مشارقها الأصلية. . . ولنبدأ معا. . .
هل هناك أمومة بدون طفولة؟ أو طفولة بدون أمومة؟ الذي أعرفه أن " شيئا " لا يمكن أن ينبثق هكذا من " لا شيء " وأن صفة " الأصل " لا نخلعها إلا على ما يحمل في طبيعته الوجودية أفرعا وأغصانا. . .
* * *
الأمومة لا يمكن أن تتحقق إلا بتحقق مقدماتها. . . وأعني بمقدماتها الإنجاب. . . والطفولة لا يمكن أن تولد من فراغ، أو تنبثق من عدم. . . لا بد لها من أمومة. . . ومن هنا. . . يتأكد لدى البداءة في غير تعمل أو اعتساف، أن تلازما جذريا خالدا ينهض بين الأمومة من جهة. . . والطفولة من جهة أخرى. . . ومن هنا يتحتم كذلك أن تتعانق المجالات وتتشابك، فلا تقوم الحواجز الشاهقة بين طبيعة الحديث عن الأمومة. . . وطبيعة الحديث عن الطفولة. . .
قد يقال هنا: ليس من اللازم أن توجد الطفولة ليتحقق معنى " الأمومة " في الأنثى. . . فما أكثر ما رأينا عبر أجيال البشر، ومراحل التاريخ من أمهات، لم يعقبن ذكرا ولا أنثى، ومع ذلك فقد كن أمهات رائدات. . . أليست أمهات المؤمنين - مثلا - لنا أمهات. . . مع انحسام الروابط المادية بيننا وبينهن؟ ". . . قد يقال هذا في مثل هذا الصدد. . . ولكنه لن يخرج عن أن يكون حيلة ذهنية بارعة، تلفتنا عن الحقائق الموضوعية المنشودة في مثل ذلك البحث، لتتوه في مجاهيل التربص الفكري، الذي يترك الأعماق ويطفو على السطح في حركة رعاشة رعناء!
نحن لا نجهل أن أمهات المؤمنين لنا أمهات. . . ولا نجهل كذلك أن كل أنثى في تاريخ البشر، مهما كان لونها. . . أو جنسها. . . تتربع على عرش الأمومة " الروحية " للملايين. . . إذا استوت على أفق معين من آفاق التفوق الإنساني. . .
ولكننا هنا - في مثل هذا البحث - لسنا بصدد الحديث عن الأمومة بمعناها العائم الغائم، وإنما نحن بصدد الحديث عن الأمومة " النوعية " التي تضم جناحيها على أفراخها الصغار، ساكبة حنان قلبها في حنايا قلوبهم، وناسلة ريش جناحها لتدفئ به قرهم، وسافحة أيامها ولياليها على أصابع الزمن، لترى - بعد رحلة ربداء - إلى أطفالها الصغار، وقد استووا أيقاعا. . . وتعملقوا رجالا. . .