نحن بصدد الحديث عن الأمومة الخالدة، التي عناها الابن البار الرحيم محمد رسول الله صلوات الله عليه وسلامه - بكلماته: «الجنة تحت أقدام الأمهات (١)».
ولنا بعد ذلك جولة مترامية المدى مع ألوان أخرى من الأمومات. . .
ولكني أتساءل: هل الإسلام هو الدين الوحيد الذي انحنى في غبطة وشمول على الأمومة الحانية. . . والطفولة الخضراء؟ أم أن كل شرائع الأرض والسماء قد عرفت لهذين الكائنين حقهما من العطف. ونصيبهما من الرعاية والتكريم أم أن للإسلام موقفا خاصا يتميز به بين سائر الشرائع، وكافة القوانين؟ يجعل لموقفنا من الأمومة والطفولة على السواء فلسفة خاصة واتجاها فريدا؟ وهذا هو الذي ستجيب عنه هذه الصفحات. . . ولكن. . . قبل أن نمضي مع الإسلام الرائد في رحلته مع الأمومة والطفولة. . . لا بد لنا من إلمامة خاطفة بمكانة كل منهما فيما عدا الإسلام من نظم. . . وفيما سوى الشرق من أرجاء. . . حتى يتسنى لنا من بعد أن نقيم موازنة عادلة بين فلسفة الإسلام في هذا الصدد، وبين فلسفات أخرى نبعت من هنا أو من هناك. . .
* * *
وأول ما يبدو هنا حين نبغي مقارنة، أو نهدف إلى موازنة. . . المجتمع الجاهلي، الذي جاء الإسلام لتصحيح مفاهيمه وتعديل أوضاعه.
كيف كان وضع الأم في هذا المجتمع؟
وكيف كانت رعاية الطفولة فيه؟
أما كيف كان وضع الأم في المجتمع الجاهلي؟ فأبسط ما يقال فيه. . . أنه وضع تؤهل له طبيعة عربية متأبية، ترى في عراقة الأصل، وطيب الوعاء، وشموخ النسب. . . جحافل من المعاني تقاتل في حومة النزال مع الجحافل الضارية. . . حتى لقد كان مجرد تعريض الأم للون من ألوان الضعة، أو شكل من شكول الهوان، يثير في آفاق هذا المجتمع حربا ضارية ضروسا، لا يعلم أحد ما مداها، ولا إلى أي حد ينتهي بها الجماح!!
* * *
ولقد حدثوا أن عمرو بن هند ملك الحيرة قال يوما لجلسائه: هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي؟
(١) سنن النسائي الجهاد (٣١٠٤)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٧٨١).