للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: أن يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله حكم الله وحكم رسوله.

كأولئك الذين يزعمون أن الدين صلة بين العبد وربه. ولا علاقة له بشئون التشريع والحكم والقضاء فإن الأحكام الشرعية في الكتاب والسنة من أصول الدين المعلوم بالضرورة وإجماع الأمة، وقد اتفق أهل العلم على أن من جحد أصلا من أصول الدين، أو فرعا مجمعا عليه، أو أنكر حكما قطعيا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه كافر الكفر الناقل من الملة.

الثاني: أن يضاهي الحاكم بغير ما أنزل الله حكم الله وحكم رسوله معاندة للشريعة، فيتخذ القوانين الوضعية ومصادرها أساسا للحكم. يستمد منها القوانين والنظم، وتؤسس لها المحاكم في البلاد، وتتحاكم إليها الأمة. فتحكم بين الناس بما يخالف الكتاب والسنة، وتجعل حكمها ملزما لهم لا مفر لهم منه، كما هو الشأن في معظم البلاد الإسلامية، التي استبدلت بالشريعة الإسلامية القانون الوضعي المستمد من القوانين الغربية، الفرنسية والبلجيكية وغيرها، أو من مذاهب بعض المبتدعين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، فهذا النوع كفر كذلك يخرج من الملة، وشرك بالله يتنافى مع عقيدة التوحيد التي نعبر عنها بقولنا: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ومن مقتضاها أن يكون الحكم لله ولرسوله، فإن التشريع من خصائص الألوهية.

الثالث: أن يعتقد المسلم أو الحاكم بغير ما أنزل الله أن تحكيم القوانين الوضعية أولى وأحسن من تحكيم الشريعة الإسلامية، لأن الحياة متجددة، وتتجدد الحوادث والأقضية بتجددها، ولا تشمل الشريعة الإسلامية مشاكل الحياة المتجددة. إنما تشملها القوانين الوضعية. فينبغي الرجوع إليها لأنها أحسن في تناولها للحوادث التي نشأت عن تطور الزمان وتغير الأحوال، وهذا كفر كذلك. لما فيه من تفضيل لأحكام المخلوقين على حكم الله الخالق وحكم رسوله، واتهام لشريعة الإسلام بالقصور والنقص والعجز.

إن الشريعة الإسلامية تفي بمتطلبات الحياة البشرية في كل عصر، ومصادرها الثرة تغني الناس عن التماس حل فيما سواها من قوانين البشر، ولن يعدم حاكم أن يجد حكم حادثة من الحوادث، أو قضية من القضايا في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - نصا أو ظاهرا أو استنباطا.

وقد اشتمل القرآن الكريم على أصول الشريعة وقواعدها في الحلال والحرام، وجاءت أكثر أحكامه مجملة تشير إلى مقاصد الشريعة، وتضع بيد الأئمة والمجتهدين المصباح الذي يستطيعون في ضوئه استنباط أحكام جزئيات الحوادث في كل زمان ومكان، وهذا سر خلود الشريعة وشمول قواعدها الكلية ومقاصدها العامة لما يحدث في الناس من أقضيات.