للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما فصل القرآن ما لا بد فيه من التفصيل فيما يجب أن يسمو عن مواطن الخلاف والجدل، كما في العقائد وأصول العبادات أو لأنه يبني على أسباب لا تختلف ولا تتغير إلا بتغير الأزمنة والأمكنة، وذلك كما في تشريع المواريث، ومحرمات النكاح، وعقوبة بعض الجرائم.

الرابع: أن يعتقد المسلم أن تحكيم القوانين الوضعية كتحكيم الشريعة الإسلامية. وأن الحكم بالقوانين كالحكم بالشريعة. ومن اعتقد هذه المماثلة فإنه يكفر كفرا يخرجه من الملة لأنه يسوي بين الخالق والمخلوق. ويجعل ما شرعه الله مماثلا لما شرعه المخلوق، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فقد تفرد سبحانه بالكمال، وتنزه عن مماثلة المخلوقين في الذات والصفات والأفعال والحكم {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (١)

الخامس: أن يعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله وحكم رسوله، فهذا يكفر كذلك، لأنه يعتقد جواز ما علم تحريمه من الدين بالضرورة. للنصوص الصحيحة الصريحة التي تقطع بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ولا تنافي بين أوصاف الكفر والظلم والفسق في الآيات الثلاث:

{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (٢) - والظالمون - والفاسقون) فإنها جميعا صفات لموصوف واحد باعتبارات مختلفة.

فالحكم بغير ما أنزل الله من حيث إنه جحود للشريعة يكون كفرا، ومن حيث إنه مجاوزة لحق الإنسان واعتداء على حق الله في التشريع يكون ظلما، ومن حيث إنه خروج عن شرع الله يكون فسقا.

وفي مفردات الراغب: الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزراع لستره البذر في الأرض،. . . وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها، قال تعالى: {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} (٣) وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية، أو النبوة أو الشريعة، أو ثلاثتها.

والظلم يقال في مجاوزة الحق، وهو ثلاثة:


(١) سورة الشورى الآية ١١
(٢) سورة المائدة الآية ٤٤
(٣) سورة الأنبياء الآية ٩٤