يستأهلان من عطف؛ وما يستحقان من تكريم، على تباين هنا وهناك في " مقادير " العطف والتكريم ومفاهيمهما " كذلك!
فإذا انتهينا إلى هذه النتيجة الوامضة الجليلة فماذا يبقى هناك؟ أليس يقال: أي شيء فعله الإسلام في هذا الصدد سوى أنه أقام على هذا الجدار الشامخ سطرا أو سطرين. . أو سطورا؟ ثم ألا يتعارض هذا مع ما أسلفنا من مطالع هذا البحث من أن للإسلام في هذا السبيل فلسفته الخاصة وإطاره الذاتي؟ أجل. . إنه يتعارض في مفاهيم النظرة العجلى والبداءة المبتسرة، التي ترى في كل قانون من قوانين الحياة شكله العدائي الذي لا يلتقي مع غيره من قوانين. . ولكنه لا يتعارض أبدا مع مفاهيم النظرة المستأنية، والبديهة الصافية، التي تحاول في صداقة وحب أن تعقد بين نواميس الحياة، وقوانين الوجود وشائج القربى وأسباب اللقاء. .
لقد كان للإسلام توجيهه السليم بالنسبة لغرائز البشر فلقد عدلها لتتسق مع مفاهيمه، وتتساوق مع طبيعته كدين. . إن الإسلام لم يحرق نبات الأرض لأنه نما في ظلال غير ظلاله الفيحاء. . ولكنه مع ذلك أكد شخصيته المميزة، وطبيعته الغنية، وفلسفته النابعة من أعماقه، لا الوافدة إليه من هنا. . أو من هناك. .
ومن خلال هذه الصفحات القادمة. سنبصر معا مطالع هذه الفلسفة، ومفاهيم هذه النظرة، لنؤمن معا بأن الإسلام دين رائد فذ، له في عالم الطبائع والمثل والقوانين دور الريادة الحكيمة العالمة، التي تشكل في تاريخ البشرية محورا لا يهتز ومشعلا لا يخبو، ونبعا لا يغيض. . ولنبدأ برحلتنا. . أعني رحلة الإسلام مع الأمومة في القرآن.