للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بناته حينما يتعرضن لشيء من ذلك ولو يسير. . فهو شعور يمض العربي. . ويقضه. . ويجعله دائم الأهبة لمصيره المرتقب. . إن لم يكن بتحصين قلاعه - وقليلا ما يستطيع - فليكن بإقفازها مما يحب، أو مما يقدس. . أو مما يأسى لفراقه وضياعه. . واستمع إلى القرآن حيث يقول: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} (١) {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (٢)! النحل ٥٨، ٩٩ " وحدق معي قليلا في قوله: " على هون " فلعلنا في ظلالها نلتقي. .

واستمع معي إلى الشاعر العربي، الذي يرى في الطفلات عالما من العواطف الجياشة والأحاسيس النبيلة المنهمرة التي تشده إلى الحياة، وتعمق صداقته للوجود:

لولا بنيات كزغب القطا ... رددن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع ... في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا ... أكبادنا. . تمشي على الأرض

إن هبت الريح على بعضهم ... امتنعت عيني عن الغمض

لقد كانت اهتمامات العربي الجاهلي بالطفولة معادلة تماما لاهتماماته بالأمومة، لا فرق في ذلك بين طفولة " ذكر " وطفولة " أنثى " إلا بمقدار ما تتباين غرائز البشر، وتتباعد طبيعة الأجواء البيئية المختلفة. . وليس في ذلك ما يستغرب أو يعاب؛ لأن طبيعة الحياة هكذا. . حيث لا تجد ههنا نقصا. . لا بد أن تجد ثغرة في كمال!!

* * *

فإذا انتقلنا إلى مجتمع كالمجتمع المصري القديم لنقف على حقيقة وضع الطفولة فيه، لراعنا ما تلقى هنالك من عطف، وما تحاط به من رعاية وتكريم. . وهذا ورد من متون التوابيت يتحدث على لسان والد نعم بسعادة الدارين بفضل ولده فقال: " أصبح مقعدي في حوزتي، ولم يكن أبي هو الذي وهبه لي، وليست أمي هي التي وهبته لي، ولكنه وريثي الذي أعطاني إياه. . . ".

ويكتب صديق إلى صديقه الثري العقيم: " إنك وإن تكن موفور الثراء إلا إنك لم تعمل على أن تهب شيئا لأحد، وأولى بمن لم يكن له ولد أن يتخير لنفسه يتيما يربيه، فإذا نما عنده صب الماء على يده، وأصبح كأنه الولد البكر من صلبه ". . . هكذا. . .

نحن إذا على وفاق. . على وفاق من أن كل المجتمعات قد أعطت للأمومة الرائعة والطفولة الخضراء ما


(١) سورة النحل الآية ٥٨
(٢) سورة النحل الآية ٥٩