للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مجنونا بغريزة الاستعلاء، والتفوق على من عداه؟ وكيف يتحقق له ذلك الأمل ما لم يكن له من أبنائه جيل وفير؟ إن أقرب مثل يمكن أن نسوقه هنا في هذا الصدد. . موقف عبد المطلب جد الرسول. . حين نذر - إن رزقه الله عشرة بنين - أن يذبح واحدا منهم تقربا إلى الآلهة، وشكرا لها على عطاياها. . وما أهول الفداء الذي كاد أن يسفح على مذبحه الرهيب دماء عبد الله. . والد النبي العظيم. . إن ذلك لم يكن نتيجة عفوية لنزوة طائشة، أو لوثة حمقاء. . إنه كان وليد إحساس عميق بخطورة الولد في مثل هذه البيئة التي تفجرت عن مثل هذا الوضع الراعب الرهيب!!

وتسألني: فما تقول في موقف العربي من طفولة أخرى، غير طفولة الولد. . طفولة البنت؟ لقد نعى القرآن عليه انقباضه الشاحب حين كان يبشر بمولودة أنثى. . ولطالما ارتعشت في ذهنه الأسئلة: أيمسكه على هون؟ أم يدسه في التراب؟ وكم وارى التراب الأصم من طفولات نسائية عزلاء؟!!

فأجيبك: أجل. . لقد كان العربي يأسى لأن وليده أنثى. . ولقد كان كذلك يواريه التراب. . أو يوشك أن يواريه التراب؛ لأنه ليس من فصيلة الذكور!! ولكن. . هل فعل الأعرابي ذلك كله لأن طبيعته المركوزة في أعماقه - كإنسان - تعطفه على الذكر، وتباعد بينه وبين الوليدة الأنثى؟ أم أن هناك بواعث خفية، وحوافز خلقية دفعت به إلى مثل هذا التصرف الراعن الوبيل؟ أكاد أؤكد أن الحب - لا الكراهية - هو الذي كان يدفع بالعربي إلى هذا المنحدر. . فلقد كان لفطريته الساذجة يرى في البنت كائنا زجاجي المصير، إن تعرض للخدش أو للتحطيم فلن تلتئم جراحاته النازفة بكل ما على الأرض من قدرات. . كان يحبها أكثر مما يحب الولد. . أو كما يحب الولد. . ولذلك فقد كان يحيا بمشاعره الرهيفة في أبعاد مصيرها المنشود، فيهوله ما قد تتعرض له الأثيرة المرموقة من أذى. . أو ما قد يلحق بها من العار. . فينطلق في حمى ذلك الإحساس المستوفز الطافر إلى مواراتها حية في التراب. . أنا معك في أن أسلوبه في التعبير عن نفسه كان ضربا من الخطأ. . وجنوحا ذاهلا عن سواء الطبيعة. . ولكن. . ألسنا جميعا ذلك الرجل؟ ألسنا نعض الرضيع من كثرة ما نحبه؟. . ألسنا نضمه إلى أحضاننا ضمة هوجاء. . قد تذهب بحياته الغضة. . فإذا هو هباء. . في هباء؟!. . ثم إنني لست عن هذا وحده أتحدث. . أعني: لست عن تصرفه الخاطئ أبحث. . ولكنني أغوص على البواعث البادية أو المستترة وراء هذا التصرف أو ذاك. .

لقد كان العربي يحيا في بيئة عريانة ضاحية، متعرضا لانقضاضة من هنا. . أو فجاءة من هناك. . فإذا أبناؤه أشلاء ممزقة. . وإذا بناته سبايا مسترقات. . وهو قد أعد أبناءه من قبل لأمثال هذا المصير. . ولكن