للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فماذا تريدين؟ قالت: أن تردني إلى قومي حتى يكونوا هم الذين يسلمونني إليك!! هذا موقف من مواقف الصدق الفطري، الذي يوائم طبيعة العربية الحرة، حين تثور في أعماقها المتفتحة نوازع الاستعلاء على نوازع الهبوط. . وحين تنتصر في نفسها كرامة الإنسان على خوالج المحب العاشق المفتون. .

هذه نظرة عجلى نلقيها على مكانة الأم في المجتمع الجاهلي. . لنخلص من ذلك إلى أن الأمومة في كل طور من أطوار الزمن معنى تقدسه الأجيال، ولو لم تقم على حراسته شريعة. . حتى ولو لم تؤكده رسالات الهداة المصلحين.

* * *

وإليك وصية من وصايا مصر القديمة يوجهها والد إلى ولده فيقول: " يا بني " ضاعف الخير لأمك، واحملها إن استطعت كما حملتك. . فطالما تحملت عبئك ولم تلقه علي، وعندما التحقت بالمدرسة وتعلمت الكتابة فيها. . واظبت دوني على الذهاب إليك فالطعام والشراب من دارها كل يوم، فإذا شببت وتزوجت واستقررت في دارك فضع نصب عينيك كيف ولدتك أمك. وكيف حاولت أن تربيك بكل سبيل!!

هذه منزلة الأمومة في المجتمع الجاهلي. . وفي غيره من المجتمعات. . فهل كان للطفولة مثل هذه المنزلة؟ أم أن الأمومة قد استأثرت بكل ما هنالك من عواطف الحب، ومشاعر التكريم؟ الذي نعرفه. . وتؤكده السواند التاريخية الصادقة، أن مثل ما قد حظيت به الأمومة في المجتمع الجاهلي - لأنها سبب وجود ومعدة أجيال - قد حظيت به الطفولة في هذا المجتمع؛ لأنها امتداد هذا الوجود، ولأنها لبنات هذه الأجيال. . وهو وضع طبيعي لا ينبو عن فطرة البشر، ولا يصادم حقائق الأشياء. . فهل أستطيع مثلا أن أعشق الأرض الخصبة وهي جرداء من كل شيء. . حتى ولو كانت في أطوائها طبيعة الخصب المعطلة ملء الوجود. . أم تراني أعانقها وأعشق ذراتها بعيوني حين تتفتح هنا عن ثمر. . وتبتسم هناك في شجر. . وتتألق في أرجائها الفساح آلاف الورود؟ إنني أحبها هكذا. . لأنني أحب ما على صدرها الرحيب من معطيات. . فإذا جاء العربي وأحب الأمومة وبارك خطواتها البيضاء. . فلأنه يرى فيها طبيعة الأرض المثمرة، أو طبيعة الشجرة المزهرة، أو طبيعة الأنثى التي تنبثق من أعماقها براعيم الحياة.

الطفولة إذا. . أهداب أعين الرجال، وفلذات أكبادهم تمشي على الأرض. . أليس العربي كان