للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى أسماء طائفة من قبائل العرب، وبطونها. . لنرى كيف كانوا يعتزون حتى بالانتساب إلى الأم. . ويرون في ذلك مفخرة لهم. . وتخليدا لذكراها. . وقلب معي صفحات التاريخ، فستلتقي لا محالة برتل من هذه الأسماء: كبني الخندف. . وهي ليلى بن عمران القضاعية وعنها تشعبت بطون كثيرة من العرب كهذيل، وكنانة، وأسد. . وكأم الخندف: وهي ضرية بنت ربيعة بن نزار التي ينسب إليها حي ضرية. . وكبني جديلة: بنت مدركة بن إياس وإليها تنتسب قبيلة عدوان. . وكذلك بنو جندلة. . وبنو بجيلة. . وبنو العبدية. . ورقاش. . ومزينة وعفراء. . وباهلة. . وسلول. . والعبلات. رهط الثريا بنت عبد الله بن الحارث صاحبة عمرو بن أبي ربيعة نسبوا إلى أمهم عبلة بنت عبيد الله بن جاذب (١) هذا قليل من كثير. . لو شئنا أن نتتبعه عبر أجيال العرب لما وسعنا مثل هذا البحث، وليس من همنا أن نحشد هنا نقولا تاريخية مكدسة. . فإنها ليست من غرضنا في هذا الصدد وإنما الذي نهدف إليه. . أن نستشف من خلال حادثة أو حوادث، ما وراء النص من عوامل الفخر بالأم، ونوازع التقديس لمكانتها، وحوافز الثورة لما عساه أن يجرح كبرياءها الأصيل. .

* * *

ولأن العربي كان يعرف وضع الأمومة وما يعكسه هذا الوضع على أبنائها من ظلال، فقد حرص على أن ينتخب لأولاده أما لا تهون، ولا تطأطئ في مواقف الفخر، ومجالات المباهاة. . قال أعرابي لبنيه: يا بني. . إني قد أحسنت إليكم صغارا، وكبارا، وقبل أن تولدوا. قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها!!

قد يقال هنا: إن ذلك كان وحي شعور الرجل المؤمن بدونية المرأة. . إنه كان لونا من ألوان العطف على الكائن الأدنى ليستشعر الحياة. . ويحس الكرامة. . ولم يكن لذلك كله من أثر عميق في نفسية المرأة ينعكس على موقفها. . أو يورق في واقعها الحياتي. . فلقد كانت دائما تعيش في إطار من إحساسها العارم بدونيتها؟!! ولكني لست من هذا الرأي. . ولا أستطيع أن أكون منه. . فليس بصحيح أن ذلك كان إحساس العربي " الرجل " فحسب. . بل كان كذلك إحساس العربية " الأنثى ". . كانت تعرف دورها كأم. . ومكانتها كصانعة أجيال، ومن هنا فقد تأبت على كل ما يشدها إلى الحضيض، أو يعفر جبهات أبنائها. .

حدثوا أن سلمى الغفارية وقعت في حبائل الأسر. . وتزوجها الشاعر الفارس عروة بن الورد، وأنجب منها أولادا. . وأحبته ملء عيونها. . ووسع أشواقها. . ولكنها رغم ذلك كله حدثته ذات يوم قائلة: ألا ترى ولدك يعيرون بأمهم ويسمون بني الأخيذة؟


(١) انظر في هذا كتاب " أم النبي " للدكتورة بنت الشاطئ.