للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبدأت خيوط المأساة تتجمع وتتشابك. . لتنفرج من بعد وتعتنق. . حينما حمل إبراهيم زوجته هاجر وابنها إسماعيل. . وانطلق بها ضاربا في التيه. . وعند ربوة حمراء تسامت أطلال البيت العتيق، ترك إبراهيم وليده الغض. . وأم وليده العزلاء. . وما كان لدى الأم ووليدها من رزق في هذا الوادي الجديب الأجرد. . سوى جراب فيه تمر وسقاء فيه ماء. . ولا بد للتمر أن ينفد، ولا بد للماء أن يتلاشى. . فماذا يخبئ الغيب لهما من مصير؟ لأفسح أنا المجال لابن عباس يحدثنا حديث هاجر الأم. . وابنها إسماعيل الرسول. . يقول ابن عباس: ". . ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ من أحد. . وليس بها ماء. . فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء. . ثم قضى إبراهيم منطلقا. . فتبعته أم إسماعيل. فقالت: يا إبراهيم: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها. فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. . ثم رجعت فانطلق إبراهيم. . حتى إذا كان عند الثنية لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (١) وجعلت أم إسماعيل ترضع ابنها وتشرب من ذلك الماء. . حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى. . فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر. . هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا. . فهبطت من الصفا. . حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي. . ثم أتت المروة فقامت عليها. . فنظرت هل ترى أحدا. . فلم تر أحدا. . ففعلت ذلك سبع مرات. .

قال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فلذلك سعى الناس بينهما (٢)» فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا. . فقالت: صه. . تريد نفسها. . ثم تسمعت أيضا. . فإذا هي بالملك عند موضع


(١) سورة إبراهيم الآية ٣٧
(٢) صحيح البخاري الحج (١٦٤٩)، صحيح مسلم الحج (١٢٦٦)، سنن الترمذي الحج (٨٦٣)، سنن النسائي مناسك الحج (٢٩٧٩)، سنن أبو داود المناسك (١٨٨٥)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٣٧٣).