زمزم، فبحث بعقبه. . أو قال بجناحه. . حتى ظهر الماء. . فجعلت تخوضه. . وتغرف منه في سقائها وهو يفور بعدما تغرف فشربت وأرضعت ولدها.
فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة. . فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه. . وإن الله لا يضيع أهله. . وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية. . تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله. .
فكانت كذلك حتى مرت بهم قافلة من جرهم مقبلين عن طريق كداء. . فنزلوا في أسفل مكة. . فرأوا طائرا عائقا: فقالوا: إن هذا الطير ليدور على ماء. . لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء. . فأرسلوا جريا أو جريين. . فإذا هم بالماء. . فرجعوا وأخبروهم بالماء. . فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء.
فقالوا: أتأذننين لنا أن ننزل عندك؟ قالت: نعم. . ولكن لا حق لكم في الماء. . قالوا: نعم. . وشب الغلام " إسماعيل " وتعلم العربية منهم. . وأعجبهم. . فلما أيفع واكتمل روجوه، وماتت أم إسماعيل. لتترك في الأرجاء حديثا هائلا ضخما. دائما يدوي. . وكيف تنسى ذاكرة الزمن، أو راعية الأيام أم إسماعيل. . وقصة بطولتها الخالدة تلهج بها ملايين الألسن كل يوم. . فيما يتلونه من كتاب الله، وآياته الغراء.
* * *
إنني ألمح من خلال الجهاد الرائع الذي كابدته أم إسماعيل عبر نزولها في واد غير ذى زرع، وذلك بمعاناتها للظمأ القاتل الرهيب. . ثم مسعاها اللاهف بين الصفا والمروة باحثة عن خيط يشدها ووليدها إلى الحياة. . إني ألمح من خلال ذلك كله. . ليس إنفاذ وعد الله فحسب. . بل كذلك تخليد دور الأمومة الرائعة، التي تحترق لتضيء للملايين.
ومع إسدال الستار على هذه القصة القرآنية، نحس من أعماقنا المسلمة عن كثب أن صوت القرآن العظيم غض عذب، يردد في مسامع الإجيال:{وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(١)