للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكن ترى. . هل هذا هو كل ما دار في القرآن الكريم من حديث حول الأمومة، ودورها الباسل. . وكفاحها النبيل؟ الذي أعرفه. . أن ذلك لو كان كذلك لكفى. . ولكن القرآن لم يدر الحديث عن الأمومة في هذه الإطارات الثلاثة فحسب، وإنما أداره مرات ومرات، تارة مستقلا بذاته، منفصلا عما عداه. . وطورا في معرض الحديث عن الأبوة والأمومة جميعا. . ولو أننا حاولنا تتبع ما جاء في هذا الصدد بشيء من التفصيل الرحيب. . لضاق بنا المجال، وامتدت بنا الآماد، ولكننا فحسب، سنشير إشارات خاطفة عجلى. . وسنضيء على كل مفرق من مفارق الطرق شمعة أو شمعات. .

إن لكلمة " الأم " في القرآن - حتى من الزاوية اللغوية البحتة، ظلالا رائعة، وتهاويل مشرقة، كأنها رمز يوحي بما للأمومة من أوج وما لمكانتها من سموق. . فحين يذكر الله رسوله بفضله عليه يقول: هو {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (١) وحين يضع في يده السلاح الباتر لهداية الجموع يهيب به: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} (٢) إننا نحس أن في كلمتي " أم الكتاب "، " وأم القرى " تكريما حسيا لأشياء ومواطن. . نحسه من خلال هذه الكلمة الوامضة المشعة البيضاء. .

وفي مواطن الهول والاستنفار لا تجد كلمة مثل كلمة " الأم " تثير بها عواطف الأغيار {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (٣)

* * *

ما أجمل أن يعبر القرآن بكلمة " أم " بدلا من الاسم الوضعي للمرأة. . أي امرأة {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (٤) {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} (٥) إن القرآن هادف حين يعبر هذا التعبير الجميل، لما لهذه الكلمة من ظلال تلقي على الحدث طاقات معينة من الشعور والانفعال. .

وللتدليل على قدرة الله القادر يتحدر صوت القرآن رائعا وجليلا {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} (٦) {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} (٧) {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (٨)


(١) سورة آل عمران الآية ٧
(٢) سورة الأنعام الآية ٩٢
(٣) سورة الأعراف الآية ١٥٠
(٤) سورة القصص الآية ٧
(٥) سورة القصص الآية ١٠
(٦) سورة النحل الآية ٧٨
(٧) سورة الزمر الآية ٦
(٨) سورة النجم الآية ٣٢