للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولربط القيادة بالجموع يطلق القرآن هذه الكلمة الرائعة الخالدة: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (١) وما نعرف في لغات البشر تعبيرا يسمو إلى هذه الذروة، التي تحفر في أعماق الملايين حب النبي. . وحب زوجاته. . أمهاتنا الأثيرات!

وفي مجال التذكير بمصدر الوجود الإنساني، وبكل المعاناة الراعفة، والعذابات القاصفة يتحدث القرآن حديثه اللاهب: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (٢) {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (٣)

وحين يتحدث المسيح في المهد يقول في مطلع ما يقول: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (٤) هذه هي اللفتات القرآنية الوامضة التي خصت الأمومة بحديثها العذب وتنغيمها المسحور، وهناك لفتات قرآنية أخرى تناولت الأمومة بحديثها الفياض، ولكنه تناول ضمني في معرض الحديث عن الوالدين جميعا. . وأرهف السمع معي إلى هذه الآيات:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (٥)

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (٦)

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (٧)

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (٨) {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (٩)

وهنا أفسح المجال للشيخ محمود شلتوت - رحمه الله - يحدثنا في كتابه " الإسلام عقيدة وشريعة " فيقول: " والذي أحب أن أنبه إليه أن القرآن حينما جاء بوصايا احترام الوالدين جميعا وبتخصيص الأم " بنوع من العناية. . جاء منظما لما تقتضيه فطرة الخلق والتكوين، وما تقتضيه عاطفة الحنو والشفقة التي أودعها الله في قلب المرأة لولدها، وبها احتملت ما احتملت في الحمل والإرضاع والتربية الأولى والسهر على حفظ صحته وسلامته مما يخطو به في مراحل الحياة الشاقة ". .

* * *

وأظنك لست تجهل ذلك الموقف القرآني الواسع الذي تعكس نبضاته الإنسانية سورة " المجادلة ". . ولكن لا بأس من أن نقف أمامه لحظات، نعيشها مع ذلك الأفق المترامي العملاق. إن


(١) سورة الأحزاب الآية ٦
(٢) سورة لقمان الآية ١٤
(٣) سورة الأحقاف الآية ١٥
(٤) سورة مريم الآية ٣٢
(٥) سورة البقرة الآية ٨٣
(٦) سورة النساء الآية ٣٦
(٧) سورة الأنعام الآية ١٥١
(٨) سورة الإسراء الآية ٢٣
(٩) سورة الإسراء الآية ٢٤